خلت موائد السوريين، في اليوم الأوّل من رمضان، من «الطبق الأبيض»، أي ذاك الذي يُعدّ اللبن مكوّنه الرئيس، وجرت العادات المتوارثة على استفتاح شهر الصيام به. إذ إن تحضير طبق الشاكريّة أو الكوسا بلبن، وسط الأزمة المعيشية الخانقة التي تعيشها البلاد، بات يُكلّف 97 ألف ليرة سورية، فيما راتب الموظف الحكومي لا يتعدّى 120 ألفاً.وقفزت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بنسبة 10% حتى قبيل دخول شهر رمضان، بينما تُشير التقديرات إلى أن متوسّط ارتفاعها عمّا كانت عليه في رمضان السابق تَراوح بين 150% و200%. فاللحوم الحمراء كانت تكلّف 30 ألفاً للكيلو الواحد، بينما اليوم يصل سعر الكيلو إلى 80 ألفاً، وطبق البيض ازدادت تكلفته من 13 ألفاً إلى 24، والتمر من 12 ألفاً إلى 40، والأرز من 8 آلاف إلى 18 ألفاً. وتأتي هذه القفزات في ظلّ تخطّي نسبة الفقر في سوريا الـ90%، وازدياد مَن يعانون انعدام الأمن الغذائي إلى قرابة نصف السكّان، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
«اللحمة صارت عنا على مبدأ شم ولا تذوق، والإفطار من بو قريبه»، تقول السيدة الأربعينية مها من سكّان حيّ المزة، موضحةً بينما تحمل بيديها كيسَين أسودين أن ما فيهما من خضروات وبعض البهارات وكيلو أرز، كلّفها 35 ألفاً، متسائلةً: «بأيّ حال عدت علينا يا رمضان؟». كذلك، تخلو مائدة عائلة أبي حسين من التمور والمشروبات الرمضانية والحلويات؛ إذ غدت هذه رفاهية بحسب وصف الرجل الخمسيني، الذي لم يَعد قادراً على تأمين مستلزمات شهر الصوم. يبيّن أبو حسين أن العائلة تحتاج إلى مليون ليرة على أقلّ تقدير لشراء هذه المستلزمات من دون حساب اللحوم والخضار، قائلاً: «نحن صائمون منذ مدّة طويلة عن كثير من الأطعمة التي لا نستطيع شراءها». أيضاً، غابت عن مائدة الإفطار الخضروات الطازجة، مع وصول سعر الكيلو الواحد من الخيار إلى 8500 ليرة، والبندورة إلى 3000 ليرة.
قفزت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بنسبة 10% حتى قبيل دخول شهر رمضان


تحنّ أم رائد، السيّدة الخمسينيّة من سكّان حيّ المزة، إلى «أيام العز» بحسب وصفها، متذكّرةَ، في حديثها إلى «الأخبار»، ما كانت تُعدّه من مأكولات على مائدة رمضان، قائلةً: «منذ تزوّجت قبل أكثر من 25 عاماً، لم أكتفِ بتحضير صنف واحد للإفطار بل أكثر من 3 أصناف، لأن العين تأكل قبل التم»، كما تقول، مستدركةً بأن «هذا العام، كلّ شيء مختلف، صنف واحد، ولا قدرة على تحضيره على أصوله». حتى «السكبات» التي كانت تتبادلها مع جيرانها، لم تَعُد تستطيع القيام بها بسبب التكاليف المرتفعة التي تتكبّدها العائلة لإعداد الوليمة، وتدنّي القدرة الشرائية، وتضاعف التضخّم في العملة المحلّية.