الحسكة | شكّلت زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، مارك ميلي، إلى قاعدة التنف القائمة في سوريا، تطوّراً مهمّاً، بالنظر إلى أنها الأولى لأرفع مسؤول أميركي منذ بدء التدخّل الأميركي البرّي في هذا البلد في عام 2014، ولكونها جاءت بعد ساعات من زيارة أجراها إلى فلسطين المحتلّة. وأكدت وسائل إعلام أميركية أن ميلي «توقّف لوقت قصير في قاعدة أميركية في سوريا، حيث يتمركز نحو 900 جندي أميركي هناك»، وحدّدت الهدف من الزيارة بأنها «لتقييم مهمّة عمرها 8 سنوات لمحاربة تنظيم داعش، مع مراجعة إجراءات حماية القوات الأميركية من أيّ هجوم»، فيما اعتبر ميلي، في تصريح إلى الصحافيين المرافقين له، أن «قتال الولايات المتحدة والتنظيمات الموالية لها ضدّ «داعش» يعدّ ناجحاً»، مشيراً إلى أن «إلحاق هزيمة دائمة بالتنظيم، والاستمرار في دعم أصدقائنا وحلفائنا، مهام مهمّة يمكن القيام بها».ولم تحدّد وسائل الإعلام الأميركية القاعدة التي زارها المسؤول الأميركي الرفيع، كما لم تتحدّث عن أيّ لقاءات أجراها مع جهات محلّية تتولّى الولايات المتحدة تقديم الدعم لها، إلّا أن مصادر مطّلعة أكدت، لـ«الأخبار»، أن «الزيارة كانت لقاعدة التنف جنوب سوريا، وليست إلى القواعد الأميركية شمال شرقها»، مشيرة إلى أن «المسؤول الأميركي لم يلتقِ فيها أيّاً من المسؤولين المحلّيين». ويحمل اختيار ميلي لـ«التنف» دوناً عن غيرها رسائل متعدّدة، أبرزها الحرص على مراعاة «أمن» الإسرائيليين ومساعدتهم في تحقيق أهدافهم في سوريا؛ وتأكيد عدم وجود أيّ نوايا للانسحاب من هذا البلد؛ ومراعاة الحساسية التركية بالنظر إلى أن القاعدة المختارة بعيدة من مناطق سيطرة «قسد»؛ فضلاً عن إنعاش معنويات القوّات المنتشرة في القواعد الأميركية بعدما تعرّضت هذه الأخيرة لعدّة استهدافات صاروخية أو عبر طائرات مسيّرة؛ والاطّلاع على عمل الأنظمة الدفاعية التي نشرتها الولايات المتحدة في سوريا للتصدّي لأيّ هجمات إضافية؛ وتقييم الحاجة إلى مزيد من المعدّات لتحصين تلك القواعد بشكل أكبر.
وتزايدت، أخيراً، وتيرة الهجمات على القواعد الأميركية بشكل غير مسبوق، ما صعّد مخاوف الاحتلال من احتمالية سقوط قتلى من جرّائها، وهو ما سيكون من شأنه توليد ضغط أميركي داخلي للمطالبة بسحب القوات من سوريا. وعبّر عن تلك المخاوف بوضوح، إلقاء مروحيات أميركية منشورات ورقية في بادية الـ55 كلم التي تفصل مناطق سيطرة الجيش السوري عن قاعدة التنف في ريف حمص، تفيد بتخصيص جوائز مالية لكلّ من يَعلم شيئاً عن أماكن تواجد المسيّرات والصواريخ التي تستهدف القاعدة بين الفترة والأخرى. ولعلّ تلك الهجمات التي تنفّذها «المقاومة الشعبية»، لم تعُد تُقيَّم في إطار العمل المحدود الذي لا يشكّل خطراً على حياة الجنود الأميركيين، بخاصة بعد أن نجحت صواريخها في الوصول إلى مهبط المروحيات في «قاعدة العمر» في ريف دير الزور، وأدت إلى سقوط جرحى من «جيش سوريا الحرة» في «التنف». كما أن الإعلان الأميركي عن إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية في شمال شرقي سوريا بعد نجاحها في التحليق لعدة ساعات في الأجواء، وتمكّن ثلاث مسيّرات أخرى من التحليق في أجواء «التنف» قبل نحو شهرين، واستهدافها للقاعدة بعدّة صواريخ خلّفت أضراراً مادية، كلّها معطيات رفعت من مستوى الخطر المحدق بالقواعد الأميركية، ما استدعى تعزيزاً لأنظمة الدفاع داخلها. وإلى جانب حرص واشنطن على إعلان وصول هذه الأنظمة، فهي استخدمت، في ردّ فعل غير مسبوق، مضادّات جوّية لإسقاط إحدى المسيّرات خلال استهدافها لـ«حقل العمر»، فيما أطلقت بالونات حرارية مزوّدة بكاميرات وأنظمة مراقبة في أجواء مناطق انتشارها في شمال شرقي سوريا، لرصد وتتبّع أيّ نشاط مُعاد لها.
شكّلت الزيارة لفتة معنوية للقواعد الأميركية التي تعرّضت لعدّة استهدافات صاروخية أو عبر طائرات مسيّرة


من جهتها، روّجت وسائل إعلام مقرّبة من «قسد» لكون زيارة ميلي جاءت إلى مناطق سيطرة الأخيرة خصيصاً، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على مخطّط أميركي لشنّ هجوم واسع على مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» في عفرين وبقيّة مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، بغطاء جوّي أميركي. ونسبت بعض هذه الوسائل إلى ميلي قوله إن «واشنطن تراقب الوضع شمال غربي سوريا عن كثب، وترى نشاطاً كثيفاً للتنظيمات الإرهابية»، على رغم تواجد القوّات التركية. إلّا أن مصادر ميدانية نفت، لـ«الأخبار»، وجود أيّ مخطّط من هذا النوع، موضحةً أن «استراتيجية الولايات المتحدة هناك تقوم على استهداف المطلوبين بشكل فردي وعبر طائرات مسيّرة مذخّرة». وأكدت المصادر أن «واشنطن تبدي حرصاً على عدم الاصطدام الميداني مع الأتراك في سوريا، واحتمالية وجود مثل هكذا عملية عسكرية معدومة»، مضيفة أن «شمال حلب هو عملياً ضمن مناطق النفوذ الروسية، وأيّ عملية عسكرية تستهدف النصرة أو هيئة تحرير الشام هناك، يُفترض أن تمرّ عبر الروس حصراً».