لم تَمنح سنوات الغربة الطويلة، الشاب عبد الكريم أبو جلهوم، سوى طقس جديد من طقوس الموت. ابن مخيم جباليا للاجئين شمال غزة، كان قد هاجر من القطاع قبل اثني عشر عاماً، ثمّ التحقت به عائلته قبل خمس سنوات من اليوم، إلى أن أُعلن عن وفاته وزوجته وأبنائهما الأربعة إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب مدينة أنطاكيا، حيث كان يقيم. «كان يعمل نجاراً، يقضي أكثر من 10 ساعات في العمل يومياً، بالكاد يستطيع أن يؤمّن لقمة عيشه»، تقول والدته في حديثها إلى «الأخبار»، مضيفةً: «هاجَر من غزة بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، لكن قدرَنا أن نلاحق الموت (....) راح أبناؤه براء ومحمد وكنزي ونورة، ما ترك حدا من ريحته». في مخيّم جباليا، تجمّع الآلاف لتقديم واجب العزاء لعائلة الفقيد أبو جلهوم، وعائلة زوجته فاطمة أبو سلطان. ثمّة ما يصنع تفاضلاً حتى في الموت. على الأقلّ، هنا للضحايا مَن يبكيهم. في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا: حندرات والنيرب في حلب، والرمل في اللاذقية، يبدو الحال أكثر كآبة. ما يزيد على 40 ضحية استطاع الأهالي بجهودٍ فردية انتشالهم من تحت الأنقاض، فيما «يخفي الركام مصائر آخرين»، وفق ما يقول اللاجئ محمد سلمان، الذي يسكن «النيرب»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»: «عشرات المباني تهدّمت في كلّ المخيمات، الأهالي يبحثون عن الضحايا بأياديهم، من دون أيّ معدّات، لم تصل حتى اللحظة أيّ طواقم إنقاذ ولا مساعدات للمخيم».
ويتابع: «الأهالي يخافون العودة إلى البيوت، حتى التي لم تتضرّر منها، تحسّباً لهزّات أرضية جديدة، و لا تتوفّر خيام تقي الناس من البرد والصقيع».
من جهته، يفيد الزميل الصحافي حسام زيدان، في حديثه إلى «الأخبار»، بأن مخيم الرمل الجنوبي انهارت فيه ثلاثة مباني كاملة على السكّان، اثنان منها مكوَّنان من خمس طبقات، وآخر على الشاطئ، مضيفاً إن «الأضرار كانت في مخيّم النيرب أقلّ وطأة، حيث انهارت بعض الجدران في المنازل، وتسبّبت بوفاة طفلَين يبلغان من العمر 11 عاماً، وجرْح ثالث ما زالت حالته حرجة، فيما أعلنت القيادة المجتمعية في المخيم أن الحياة عادت إلى طبيعتها، وأن الأهالي رجعوا إلى منازلهم». ويشير إلى أن «النقطة المضيئة هي حالة التكاتف الاجتماعي الكبير الذي شاهدناه في المخيمات، حيث وصلت طواقم الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني من حمص ودمشق إلى مخيم الرمل الجنوبي، وساهمت كتفاً إلى كتف مع الهلال الأحمر السوري في إسعاف الضحايا وإنقاذهم». كما يشير إلى أن فريق الإنقاذ الجزائري الذي وصل إلى سوريا، والمكوَّن من 125 شخصاً، أصرّ على زيارة المخيّمات الفلسطينية وتقديم خدماته هناك.
أوضاع اللاجئين في مخيّمات الشمال السوري مأسوية وكارثية


ويبيّن فايز أبو عيد، وهو مسؤول الإعلام في مجموعة «العمل لأجل فلسطينيّي سوريا»، بدوره، أن «طواقم المجموعة وثّقت حتى اللحظة وفاة 29 لاجئاً فلسطينياً - سورياً في سوريا وتركيا»، قائلاً في حديثه إلى «الأخبار»: «حتى اللحظة، الأرقام متضاربة، لكن ما وثّقناه بالاسم والمنطقة يفيد بـ 29 ضحية، من بينهم 20 في الشمال السوري، و6 أشخاص من مخيم الرمل في اللاذقية، وواحد من مخيم العائدين في حمص، وطفلتان في مخيم النيرب». ويَلفت أبو عيد إلى أن «أوضاع اللاجئين في مخيّمات الشمال السوري مأسوية وكارثية، هناك مصاعب كبيرة تُواجه فرق الإنقاذ بسبب الدمار الكبير وقلّة الإمكانات المتوافرة، في حين لم تكن الجهود المبذولة لإغاثة المدنيين كافية نتيجة هول المصاب (...) جرى توفير بعض الخيام، لكنّ العيش في داخلها وسط هذه الأجواء العاصفة والباردة من دون وسائل التدفئة، صعب للغاية».
وكان سفير دولة فلسطين في دمشق، سمير الرفاعي، قد أعلن عن آخر إحصائية للضحايا الفلسطينيين في المخيّمات السورية، قائلاً إن أعدادهم ارتفعت في مخيمات الرمل والنيرب وحندرات، وفي بلدة جبلة، إلى 48، فيما تتواصل أعمال البحث عن أحياء تحت الأنقاض. أمّا السفير الفلسطيني في تركيا، فائد مصطفى، فأفاد عن توثيق وفاة 20 فلسطينياً حتى اللحظة.