لا تتوقّف الإشارات التركية إلى أن عمليّة عسكرية برية في شمال سوريا، ستنطلق في القريب العاجل. فبعدما أشار بيان مجلس الأمن القومي التركي، الذي انعقد يوم الخميس الماضي، إلى أن أنقرة «لن تسمح بأيّ تواجد ونفوذ للتنظيمات الإرهابية في شمال سوريا»، قال وزير الدفاع، خلوصي آقار، إن بلاده «لن تسمح بإقامة ممرّ إرهابي»، داعياً الولايات المتحدة إلى «وقْف دعمها للإرهابيين»، فيما كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد، السبت، «(أنّنا) سنستكمل إقامة الشريط الأمني على امتداد حدودنا الجنوبية، وبعمق ثلاثين كيلومتراً، ولن نتراجع أبداً عن تصميمنا على منْع الاعتداءات». ولكنّ الخبراء الاستراتيجيين الأتراك، حذّروا الحكومة من أن عملية عسكرية بريّة «يجب أن تخدم هدف إحلال سلام دائم في المنطقة». وشرح العقيد المتقاعد، أونال أتاباي، لصحيفة «جمهورييات»، أهميّة المناطق التي تنوي تركيا مهاجمتها والسيطرة عليها، قائلاً إن «تواجد الإرهابيين في منطقة تل رفعت يتيح لهم التواصل مع مدينة حلب، وهي منطقة تشكّل فجوة جغرافية بين منطقتَي عمليات درع الفرات ونبع السلام. أما منطقة منبج، فتشكّل ممرّاً مهمّاً للإرهابيين إلى حلب وإلى تل رفعت. وتضطلع منطقة عين العرب/كوباني بأهمية خاصة، نظراً إلى أنها ممرّ إلى تل رفعت وإلى منبج. وفي حال استولت تركيا عليها، يصبح بإمكانها أن تضرب عصفورين بحجر واحد: إعادة رفات سليمان شاه إلى مكانه الأصلي، والسيطرة على طريق إم 4، وبالتالي السيطرة على كامل منطقة درع الفرات».مع هذا، قال أتاباي، إن السيطرة على هذه المناطق الثلاث تبقى «تكتيكية»، في حين أن «السيطرة الاستراتيجية تتمثّل في التأثيرات التي ستتركها على المنظمة الإرهابية، والتأثيرات الدولية. فَقَطْع الرابطة الجغرافية التي تربط بين روسيا والولايات المتحدة مع قوات حماية الشعب الكردية، هو ميزة مهمّة لتركيا، حيث ستتيح لها فرصة فتْح الطريق أمام مفاوضات مع الرئيس السوري بشار الأسد. كما يمكن للعملية التركية، بالسيطرة على هذه المناطق، أن تصل إلى أهدافها السياسية». وبالنسبة إلى الأهداف العسكرية، أضاف أن «تركيا ستُلحق خسارة مهمّة بقدرات القوات الكردية، ويمكنها بعدها تطوير حمْلتها الاستراتيجية وتأثيرها المستدام. لكنّ الهدف الأهمّ من العملية يجب أن يكون: قطْع الدعم الدولي عن وحدات الحماية، وإقامة تعاون بنّاء ودائم مع الدول الإقليمية». وفي هذا المجال، رأت جايدا قاران، في صحيفة «بركون»، أن الكثير من الأسئلة تحيط بالعملية العسكرية، وباحتمالات اللقاء بين إردوغان والأسد، متسائلةً عمّا إن كانت دمشق ستسمح لأنقرة بالقيام بعملية ضدّ الأكراد، ومن ثمّ تسليم الأراضي إلى الجيش السوري، وعن مصير المسلّحين في إدلب في حال نفّذت تركيا تهديداتها ضدّ الأكراد، مشيرة إلى أن «احتمالات العملية العسكرية قائمة بين عملية واسعة تبدأ في تل رفعت وتتوسّع إلى شرق الفرات تدريجيّاً، وبين أخرى محدودة تقتصر على عين العرب وتل رفعت».
لا تنفصل خطوات «الحزب الجيّد» ومحرم إينجه عن رغبة المعارضة التركية في اللقاء مع الأسد


وفي خضمّ ما يُنسب إلى الرئيس السوري من أنه لا يريد لقاء نظيره التركي قبل الانتخابات الرئاسية، حتى لا يستغلّه الأخير لمآربه الرئاسيّة، ويصوّره على أنه دعْم مجّاني له في هذه الانتخابات، خرج «الحزب الجيّد»، برئاسة مرال آقشينير، باقتراح أعلن فيه استعداده لزيارة دمشق، والبحث في كيفية «تنظيف» شمال سوريا من الممرّ الكردي، وخطوات حلّ مشكلة اللاجئين. وذكرت أوساط الحزب أنه أعدَّ خطّة على أربع مراحل لإعادة اللاجئين إلى سوريا، فيما سيكون اللقاء مع الأسد أحد بنودها. ووفق الأوساط، فإن «الجيّد» سيتقدّم بطلب الموافقة على زيارة دمشق إلى وزارة الخارجية التركية، اليوم الثلاثاء. وفي حال حصل عليها، سيقوم وفد الحزب لدى عودته إلى أنقرة، بإبلاغ السلطات التركية بنتائج المباحثات، كما سيضع الرأي العام في أجوائها.
وفي السياق ذاته، قال زعيم حزب «مملكت» الصغير، محرم إينجه، الذي ترشّح باسم المعارضة في وجه إردوغان في انتخابات عام 2018، إنه كان أرسل رسالة إلى الأسد يطلب لقاءه. لكنّ الجواب جاء بالرفض، لأن إينجه لا يحمل صفة في الدولة التركية. وأشار إلى أنه طلب اللقاء من أجل حثّ الدولة التركية على اللقاء مع دمشق، قائلاً أثناء زيارة لمدينة أدرنه، إن على تركيا أن «تعيد اللاجئين فوراً، لأن إقامتهم كضيوف قد طالت. وبالأمس كنت في إسطنبول ولم أرَ أتراكاً فيها. كل ما رأيته كان من اللاجئين ومن الأفارقة». وانتقد إينجه الحكومة، قائلاً إن «مَن يديرون تركيا أفقروا الشعب، والسلطة الموجودة منذ عشرين سنة لم تفِ بوعودها، فحجم التجارة تراجع والناتج القومي كذلك، وتراجع موقع تركيا في الاقتصادات الكبرى من المرتبة 18 إلى المرتبة 23»، واصفاً إردوغان بأنه «متغطرس وعنيد وجاهل وغير علمي». على أن خطوات «الحزب الجيّد» ومحرم إينجه لا تنفصل عن الرغبة العامة للمعارضة التركية في اللقاء مع الأسد، وتعهّدها، في حال الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، الجلوس مباشرة مع دمشق، ومحاولة حلّ المشكلات الثنائية، وعلى رأسها الوضع الأمني وقضيّة اللاجئين.
من جهته، انتقد أحمد داود أوغلو، رئيس «حزب المستقبل» ورئيس الحكومة السابق، الرئيس التركي، قائلاً إن «إردوغان يتصالح مع الأسد ويصافح عبد الفتاح السيسي ويتحدّث إلى بنيامين نتنياهو، لكنه يرفض التكلُّم مع داود أوغلو. هذا هو الوجه الحقيقي لإردوغان». وانتقد أيضاً خطوات المصالحة هذه، باعتبارها «تقلّل من شأن تركيا (...) نحن تصالحنا مع اليونان، ولكنها كان مصالحة بشرف. ومع روسيا كانت لنا حروب كثيرة، ولكننا وقّعنا اتفاق الإعفاء من الفيزا. ولكن عندما توقّع اتفاقات تسليم في لحظة ضعْف تركية، فهذا يعني التسليم لِمَن يريدون إخضاع تركيا». وبحسب داود أوغلو، فإن «المسؤولين في اليونان ومصر يطلقون تصريحات ضدّ تركيا، ويعملون على تركيعها. والرئيس السابق دونالد ترامب وصف إردوغان بالأحمق، ولا يردّ عليه. تركيا اتّهمت أميركا بالوقوف وراء تفجير إسطنبول، وقبلها الإمارات بالوقوف وراء انقلاب 15 تموز 2016، ولكن بالأمس كنّا معاً. لم نَعُد نعرف الصديق من العدوّ. بل أصبح السيسي والأسد وترامب أصدقاء، فيما بقيت المعارضة هي العدو. هل يعقل هذا؟». ورأى أن انتخابات الرئاسة المقبلة ستشكّل «فرصة أخيرة» لتركيا لتكون بلداً ديموقراطياً، لأن بقاء إردوغان في السلطة يعني «تسليم البلاد نهائيّاً للاستبداد».