أثار التوقّف المؤقّت للتمويل التركي لـ«الائتلاف السوري» المعارِض خلال الشهرَين الماضيَين، عاصفة من التساؤلات في أروقة التشكيلات المعارِضة، وخصوصاً أنه جاء بالتزامن مع حملة سياسية وإعلامية نظّمتها الولايات المتحدة لإعادة تسويق «الائتلاف» على هامش اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك. كما أنه أتى في ظلّ محاولات توغُّل أميركي في الشمال السوري عبر البوّابة الاقتصادية، عن طريق إرسال مستثمرين إلى مناطق سيطرة «الحكومة» التابعة لـ«الائتلاف» لبحْث الفرص الاستثمارية، وسبل الاستفادة من استثناءات العقوبات الأميركية (قيصر). أيضاً، تزامَن هذا الإجراء وسعْي أنقرة إلى فتْح الأبواب المغلَقة مع دمشق بدفْع روسي، بحثاً عن سبل للتخلُّص من عبء اللاجئين السوريين، وإبعاد «خطر الأكراد» عن الحدود التركية، ولا سيما في ظلّ اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية. واستدعت كلّ تلك السياقات مخاوف متجدّدة من تخلّي تركيا عن المعارضة السورية أو التضحية بها، مثلما ضحّت بجماعات «الإخوان المسلمين» المصرية في أوقات سابقة، وخصوصاً وسط الضغوط الكبيرة التي مورست على الفصائل لقمع احتجاجات كانت قد عمّت مناطق نفوذ أنقرة في الشمال السوري، على خلفيّة إعلان الأخيرة نيّتها تطبيع العلاقات مع دمشق.في هذا الإطار، تَكشف مصادر سورية معارِضة، في حديث إلى «الأخبار»، أن تركيا أعادت جزءاً من تمويلها لـ«الائتلاف»، بعد انتهاء لقاءات وفد المعارضة مع عدد من مسؤولي الولايات المتحدة، التي كانت قد أعدّت جدولاً مسبقاً لنشاطات الأوّل في نيويورك، بينها اجتماع غير مسبوق ضمّ أعضاءه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مكتبه، حيث جرت مطالبة الأخير بإضفاء صفة «رسمية» على «الائتلاف» وهيئاته باعتباره ممثّلاً عن المعارضة السورية، وهو ما قوبل بإجابات واضحة من غوتيريش بتعذّر حدوثه. وتُبيّن المصادر أن المبالغ المعلَنة التي تَدفعها أنقرة لـ«الائتلاف»، والتي تبلغ شهرياً 250 ألف دولار أميركي، أُعيد صرْفها له بالفعل، فضلاً عن تكاليف السفر والإقامات السابقة لممثّليه، والتي كانت واشنطن قد تكفّلت بها خلال جولة الأخيرين في نيويورك، مثيرةً بذلك حفيظة أنقرة - التي كانت تسعى إلى الضغط على «الائتلاف» عبر «تخفيض الإنفاق عليه» -، ودافِعةً إيّاها إلى إعادة صرف المرتّبات الشهرية لمنْع انزلاق المعارضة إلى المشروع الأميركي في سوريا.
تحاول واشنطن إعادة تسويق مشروعها لتوحيد المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق


وتُحاول واشنطن، منذ مدّة، إعادة تسويق مشروعها لتوحيد المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق من البوّابة الاقتصادية، عن طريق ربط معاقل «قسد» بمعاقل «الائتلاف». وتستهدف الولايات المتحدة، من خلال ذلك، تشكيل جسم معارض وازن يمكنها استثماره في المحافل الدولية لعرقلة «مسار أستانا» الذي ترعاه موسكو، بالتعاون مع أنقرة وطهران، والذي يمثّل في الوقت الحالي، بعد تجميد المسار الأممي (اللجنة الدستورية)، المسار الوحيد الفاعل في الملفّ السوري. واستنفرت هذه المساعي الأميركية، تركيا، التي سارعت إلى محاولة عرقلتها، عبْر تحريك جماعاتها لمنع انضواء الفصائل تحت لواء واحد، وضمان الإبقاء على الوضع الراهن. لكن الموجة الثانية من التدخّل الأميركي في المعارضة السورية بشقّها السياسي، تُنذر بأزمة داخلية في صفوف «الائتلاف»، في ظلّ ظهور أصوات تميل إلى الخروج عن سيطرة تركيا والانخراط في المشروع الأميركي، وهو ما قد يدفع أنقرة إلى إعادة هيكلة «الائتلاف» والهيئات المنبثقة عنه مرّة أخرى، وفق المصادر.