أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، أخيراً، مرسوماً يقضي بإجراء انتخابات الإدارة المحلّية في 18 أيلول المقبل، وذلك بعد أيام من اجتماع «المجلس الأعلى للإدارة المحلّية» في سوريا، وإقراره مجموعة من الخطوات التي تصبّ في خانة إنجاز الاستحقاق في موعده من دون تأخير، إضافة إلى العمل على وضع «الخطّة المركزية للإدارة المحلّية»، والتي تَأخّر إقرارها قرابة 10 سنوات، على رغم أهمّيتها في تِبيان كيفية المضيّ بمشروع اللامركزية الإدارية قُدُماً، وطبيعة الموارد المتاحة له والمخاطر والصعوبات التي تُواجهه. وشدّد رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، عقب الاجتماع المذكور، على ضرورة «توسيع اللامركزية الإدارية، ونقل مجموعة من الصلاحيات إلى الجهات المحلّية لتكون قادرة على القيام بواجباتها والمهمّات الملقاة على عاتقها»، لافتاً إلى «حاجة الدولة السورية إلى مجالس تمتلك خبرات وكفاءات وتتمتّع بثقة المجتمع المحلّي لتعزيز التواصل مع الناس وحلّ مشكلاتهم»، واصفاً هذه الانتخابات بأنها «ركيزة أساسية لصُنع قيادات مستقبلية في المستويات الأعلى». لكنّ الحكومة لم تأتِ على ذكر البُعد السياسي لذلك الاستحقاق، وإمكانية شموله مناطق سيطرة «قسد» شمال شرقيّ سوريا. وفي هذا الإطار، أوضح مصدر في وزارة الإدارة المحلّية، في حديث إلى «الأخبار»، أن الانتخابات ستنعقد فقط في المناطق التي يمكن تأمينها من قِبَل وزارة الداخلية، مشيراً إلى أنه «يتمّ إيلاء اهتمام خاص للمناطق التي تمّت استعادة السيطرة عليها كالغوطة وريف حمص ودرعا، حيث يؤمل نجاح مرشّحين منها يتمتّعون بثقة المجتمعات المحلّية».
لم يكد موعد الانتخابات يُحدَّد، حتى أُعلن فتح باب الترشيح لها

ولم يكد موعد الانتخابات يُحدَّد، حتى أُعلن فتح باب الترشيح لها ابتداءً من يوم الجمعة 5 آب، وإلى يوم الخميس 11 منه، وذلك بما يتلاءم مع قانون الإدارة المحلّية الذي يحدّد مدّة الترشّح بأسبوع، لكن يبدو أن ذلك انطوى على شيء من الاستعجال، إذ يرى بعض المراقبين أنه كان من الأفضل أن تَجري الانتخابات في تشرين الأول المقبل، ويُفتح باب الترشّح لها أقلّه بعد أسبوع من إصدار المرسوم، بحيث يتسنّى للجميع التفكير في التقدُّم لها، وتتمكّن وزارة الإدارة المحلّية ومنظّمات المجتمع المدني من تحفيز المواطنين على المشاركة فيها ترشيحاً. ويَظهر هذا الرأي منطقياً إلى حدّ كبير؛ بالنظر إلى أخطاء التجارب السابقة، والتي أنتجت مجالس محلّية من طرف واحد، تُعبّر فقط عن إرادة حزب «البعث» وتحالفه الذي يسيطر على جميع المجالس، مع استثناءات طفيفة وخروقات نادرة لقوائمه حصلت في انتخابات 2018 ضمن بعض الدوائر.
ومن هنا، فإن الحملة التي أطلقتها وزارة الإدارة المحلّية خلال الأيام الماضية، بالتعاون مع «الاتحاد الوطني لطلبة سورية»، لتحفيز الشباب على الترشّح، لم تحصد الأثر المرجوّ منها؛ ذلك أن المزاج العام السلبي تجاه الانتخابات، والعزوف عن الترشّح لها، لن يتغيّرا ببضعة تصريحات أطلقها مسؤولون في حزب «البعث» والحكومة، وإنّما يحتاج الأمر إلى جملة خطوات واضحة، تُظهر وجود تغيير حقيقي وملموس. وبناءً عليه، يَبرز احتمال أن تكون الانتخابات الجديدة مجرّد تكرار لاستحقاقات سابقة، وهو ما لا تريده وزارة الإدارة المحلّية، التي أجرت مراجعة قبل أشهر للتجارب السالفة، واعترفت - على الأقلّ داخلياً - بقصورها عن إيصال قيادات مؤهّلة. لكنّ الوزارة تأمل، وفق حملتها الترويجية للاستحقاق، أن يشكّل الأخير «نقلة نوعية في تحسين مستوى الخدمات والنهوض بالمجتمعات المحلّية في المجالَين التنموي والخدمي، عبر انتخاب مجالس محلّية جديدة تقود العمل المحلّي في المرحلة القادمة، وتُتابع عملية التنمية والنهضة بمشاركة كاملة مع المجتمع المحلّي في كلّ المحافظات». إلّا أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقّق ببضعة منشورات على صفحات المحافظات في «فيسبوك»، تشرح قانون الإدارة المحلّية وبنوده، بل يتطلّب تغييراً جذرياً سواءً في المرشّحين أو آليات الترشّح أو طريقة إجراء الانتخابات وآليات الرقابة عليها، وقبل كلّ شيء معالجة مشكلة القوائم المُعلَّبة التي تنجح دائماً وتتكرّر طريقة ترشيحها ذاتها منذ زمن طويل، على رغم تغيير اسمها من «الجبهة الوطنية التقدمية» إلى «الوحدة الوطنية».