على عكس مجريات اليوم الأول من لقاء «أستانة 18»، وما سبقه من تصريحات تصعيدية تركية ضدّ الأكراد، وردّ الحكومة السورية بنبرة حادّة ضدّ أنقرة التي تحتلّ مناطق في الشمال السوري، خرج البيان الختامي هادئاً ومشابهاً لبيانات الجولات السابقة، عبر التأكيد أن الحلّ في سوريا يجب أن يتمّ بالطرق السياسية السلمية، وأن العمل سيستمرّ على «محاربة الإرهاب»، بالإضافة إلى نقاط أخرى تتعلّق بالوضع الإنساني والمفقودين والمعتقلين ورفض العقوبات المفروضة على سوريا والاعتداءات الإسرائيلية. البيان الختامي، وعلى الرغم من رتابته، أعاد، مرّة أخرى، التشديد على ربط قضيّتَي المناطق الكردية وإدلب، وهي النقطة التي كانت تحاول تركيا التخلّص منها تمهيداً لقضم مزيد من الأراضي السورية. وبذلك، يمكن اعتبار هذا الربط وأْداً للأفكار التركية الحالمة باستثمار الأوضاع الدولية التي فرضتها الحرب الروسية في أوكرانيا، خصوصاً أن موسكو وطهران عبّرتا بشكل أو بآخر عن رفضهما لأيّ هجمات عسكرية لتغيير الوضع القائم. وسبقت اجتماعات «أستانة 18» جولةٌ من المحادثات التركية - الإيرانية والروسية - التركية المنفصلة - بعد تصعيد تركي متواصل لتمهيد الأجواء السياسية لشنّ عملية عسكرية في سوريا -، تخلّلتها اتّصالات هاتفية بين وزيرَي الدفاع الروسي والتركي، وزيارة لوزير الخارجية الروسي إلى أنقرة. وقد سمعت تركيا، خلال تلك المحادثات، رفضاً روسياً وإيرانياً لهذه العملية، الأمر الذي عبّر عنه المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، عمر تشيليك، بشكل واضح في تصريحات له قبيل انعقاد «لقاء أستانة» بساعات، حيث اعتبر، بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب برئاسة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أنه «كلّما قطعت تركيا شوطاً جديداً في مكافحة الإرهاب أو خطّطت لعملية جديدة، تشعر بعض الدول الحليفة بالقلق»، في إشارة إلى روسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي عبّرت مجتمعة عن رفضها للعملية أيضاً. كذلك، تضمّن البيان الختامي إشارة مباشرة إلى أوضاع إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، والتي يقع على عاتق تركيا تنظيفها من الفصائل «الإرهابية» وفق تعهّدات سابقة، إذ أكّد البيان أن «جبهة النصرة» فصيل إرهابي، ما يعني إفشال المحاولات التركية لتسويق الجبهة على أنها فصيل معتدل، عبر استعمالها في القضاء على فصائل أخرى صغيرة متشدّدة في إدلب، وبالتالي ضرورة عمل تركيا على الوفاء بتعهّداتها والقضاء على «الهيئة» بدلاً من الترويج لها.
سبقت اجتماعات «أستانة 18» جولةٌ من المحادثات التركية - الإيرانية والروسية - التركية المنفصلة


في هذا الوقت، شهدت نقاط التماس في مناطق خفض التصعيد في إدلب، وريف اللاذقية، ونقاط التماس بين القوات التركية في ريف حلب الشرقي ومناطق «قسد»، تصعيداً اعتيادياً يرافق الاجتماعات الدولية المتعلّقة بسوريا، إذ شنّت فصائل متشدّدة هجوماً بالقذائف على مواقع للجيش السوري في سراقب، ردّ عليه الجيش باستهداف منطقة إطلاق القذائف، الأمر الذي أدّى إلى مقتل أربعة مسلّحين وفق مصادر معارضة، فيما لم تُسجَّل أيّ خسائر بشرية في القصف المتبادل على خطوط التماس بين تركيا و«قسد». كما سقطت قذائف أطلقها مسلّحون في محيط كسب في ريف اللاذقية الشمالي في أراضٍ زراعية، في وقت نفّذت فيه الولايات المتحدة عملية استعراضية عبر القيام بإنزال جوي والقبض على قيادي سابق في تنظيم «داعش» يُدعى هاني أحمد الكردي، شغل منصب «والي الرقة»، وكان مختبئاً في مدينة جرابلس التي تسيطر عليها فصائل مدعومة من تركيا، شاركت، بدورها، في عملية القبض عليه، وفق مصادر معارضة. وبالعودة إلى لقاء أستانة، فقد اتّفق المجتمعون على عقْد لقاء جديد في خريف العام الحالي، بالإضافة إلى السعي لعقْد لقاء رفيع المستوى بين الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) في طهران، وهو ما كان اتُّفق عليه سابقاً ولم يتمّ حتى الآن. وبشكل عام، لم تَخرج الجولة الثامنة عشرة بأيّ جديد على الساحتين السياسية والميدانية، غير أن توقيت عقدها، والذي تَزامن مع التصعيد الدولي ضدّ روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، يمكن اعتباره ظرفاً مختلفاً عن ظروف اللقاءات السابقة، لتأتي مخرجات هذا الاجتماع وتؤكد استمرار الدور الروسي في سوريا، سواءً ميدانياً حيث كثّفت روسيا حضورها في مناطق التماس، أو سياسياً عبر العمل على مسارات الحلّ السياسية، على رغم تَعثّر هذه المسارات ودورانها في حلقات مفرغة لا نتائج واضحة لها.