ليست المشاغل التقليدية لكل فتاة مقبلة على الزواج وحدها ما يشغل بال ريم وقلبها. الشابة التي تتهيّأ للزواج بشاب لبناني تفكّر، منذ الآن، بأنها لن تمنح أولادها المستقبليين جنسيّتها السورية. تقارن ريم حالتها بحالة عمّها الذي تزوّج بسيّدة تايلندية واستطاع بكل يُسر منح جنسيّته لأولاده، لا لشيء سوى أنه ذكر. القانون السوري «أنصفه»، على حد تعبيرها، ففي «الفقرة أ» من المادة الثالثة من قانون الجنسية حُصر حق منح الجنسية حكماً لمن ولد في «القطر» أو خارجه من «والد عربي سوري» فقط.
القانون ذاته لا يتناغم مع أحد مبادئ الدستور النافذ عام 2012 الذي ينص صراحة في «المادة 33» على أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات. تتساءل ريم: «تولّت المرأة السورية أرفع المناصب وتسلّمت منصب رئاسة البرلمان في خطوة تاريخية... كيف لا يمنحها القانون الحق في إعطاء جنسيتها لأولادها؟! هو حق أساسي وليس حقاً ثانوياً أو رفاهية زائدة!».

قبل أكثر من عقدين، تزوّجت رويدا العبيد برجل كويتي. تقول: «قبل أن يكون زوجي هو ابن عمّتي، توفّيت عمّتي وهي تحلم بمنحها الجنسية لأولادها. أتمنى أن لا نتشارك المصير نفسه. بعد زواجي حصلت على جنسية زوجي، كان الأمر سهلاً. ما يُحلّل للرجل يُحرم على الأنثى في بلادنا العربية».

تناضل الصحافية زهراء الدرزي، لمنح جنسيّتها لابنتها ذات الربيع الأول، من والد لبناني. هي ترى أن «منع السوريات من منح جنسيتهن لأبنائهن يعود إلى سلطة النظام الأبوي المستقى من مصادر التشريع، بالإضافة إلى وجود نسبة لا بأس بها تؤمن بأنه لا يجدر منح الجنسية للنساء لكون نسب الأولاد يعود إلى الأب لا إلى الأم».

عدم قدرة المرأة على منح جنسيّتها لأطفالها هو «أحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي»



ككل عام في الـ 25 من تشرين الثاني، تُطلق الأمم المتحدة حملة تمتد لـ 16يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة في العالم. غير أن تحقيق نتائج كبيرة من خلال هذه الحملات يحتاج إلى كثير من الجهد والصبر والوقت، علاوة على أن أثرها تراكمي، بحسب ما ترى نوار الميرعلي، الشابة الثلاثينية التي تنشط في العمل النسوي منذ عقد. تعتبر الميرعلي أن عدم قدرة المرأة السورية على منح جنسيّتها لأطفالها هو «أحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي» وينطوي على تمييز كبير بحق النساء السوريات.

عام 2003، صادقت سوريا على اتفاقية «سيداو»، لكنها تحفّظت على المواد المتعلّقة بالجنسية والسكن والإقامة والزواج وفسخه وزواج الأطفال والتحكيم في حال نشوب النزاع.
لا يوضح قانون الجنسية أسباب حصر منح الجنسية بالذكر دوناً عن الأنثى. وفق نائبة عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق، وفاء فلحوط، فإن «صمت المشرّع السوري عن إقرار حق منح الجنسية بالنسبة إلى الولد الشرعي للأم السورية من أب غير سوري، غير مبرّر. عدم ذكر الأسباب يترك المجال للتأويل واعتبار حرمان الأم السورية من حقها شكلاً من أشكال العنف الاجتماعي ضد المرأة بالعموم، وهذا يناقض حال المرأة السورية التي تتميز بحريتها».
وترى أنه «إذا لم تقم الدولة السورية بتعديل النصوص القانونية ذات الصلة بحق الدم لجهة الأم في قانون الجنسية الحالي، أو لم تجد مخرجاً قانونياً لحقوق الأبناء الشرعيين للأم السورية، فستبقى الحملات الداعمة لحقوق المرأة في هذا السياق مجرّد شعارات منفصلة عن أرض الواقع».
تقترح فلحوط أن يُصار إلى التمييز بين منح الجنسية، من جهة، والحقوق الناتجة من التمتع بالجنسية، من جهة أخرى، لأبناء السيدات السوريّات من أب غير سوري، في حال بقاء النص التشريعي على حاله بحيث يعاملون معاملة «بحكم السوري» لجهة تمتّعهم بالحقوق، ولا سيما حقوق المواطنين اللازمة لحياتهم كالحقوق المدنية والخدمية المتعلقة بالصحة والتعليم والعمل والاستثمار والتملك.