القصير | الضوء المتسرب من عدد من بيوت مدينة القصير ليلاً لا يكفي للقول إنها تعافت من آثار الحرب. ضوء الشمس صباحاً يؤكد هذا الانطباع. الدمار الناجم عن معركة أنهت عامها الأول لم يمنع حصول الانتخابات الرئاسية في المدينة. لكنه منع جزءاً كبيراً من أهلها من العيش في بيوتهم المدمرة جزئياً أو كلياً، وتالياً، ظهرت الانتخابات رمزيةً أكثر منها انتخابات فعلية. فالمدينة يتجاوز تعداد أهلها أربعين ألفاً. هؤلاء، بوضوح، كانوا منقمسين إلى 3 فئات:عائدون صوّتوا بكثافة، تتراوح التقديرات حول عددهم بين 3000 و4000 شخص. نازحون عن المدينة يتركز وجودهم في منطقة حسياء ومدينة حمص، صوّت الجزء الأكبر منهم بحسب مصادر رسمية. نازحون قاطعوا الانتخابات، غالبيتهم من عائلات المقاتلين الذين انسحبوا إلى القلمون وجرود عرسال بعد انتهاء المعركة العام الماضي.

خلافاً لحمص ومراكز المحافظات، بدت مدينة القصير هادئة جداً صبيحة الانتخابات الرئاسية. هدوء كسرته أناشيد مؤيدة للرئيس بشار الأسد، تنبعث من خيمة نصبها عناصر من الحزب السوري القومي الاجتماعي، على مقربة من مركز الاقتراع الوحيد في المدينة.
لا توجد لوائح بأسماء الناخبين. كل من يملك هوية تؤكد ولادته قبل 3 حزيران 1996 يحق له التصويت. ليس مستغرباً غياب أي صورة للمرشحين ماهر الحجار وحسان النوري في المدينة، إذ كانت الصور واللافتات المؤيدة للأسد قليلة.
مجموعة من العسكر والمدنيين من أبناء المدينة يشربون المتة، ويعودون بالتاريخ عامين ونصف العام عندما بدأت الأزمة في القصير. يتذكرون «يوم قتل أناس من قرية النهرية شاباً من المدينة، وألصقوا التهمة بالدولة». والسبب؟ توقيف صهريج مازوت كانوا يهرّبونه. يصرّون على أمرين: الأول، كان ممنوعاً على الأمن إطلاق الرصاص على المتظاهرين وكان يمارس مهماته أعزل. الأمر الثاني هو مرافقة بعض القادة الأمنيين لتظاهرات المعارضين، في محاولة لحصر الامور ضمن إطار الشعارات. منذ ذاك الوقت «صار الدم عنصراً فاعلاً»، يقول أحدهم رافضاً الكشف عن اسمه. يسحب من هاتفه رسالة ما زال يحتفظ بها، مضمونها تهديد بقطع الرأس إذا ما كرر العودة إلى المدينة، بعدما نزح عنها. الحديث ليس عن الانتخابات لأنها في نظرهم «محسومة سلفاً عمّو، من غيرو لبشار؟»، يسأل.


انتعشت ربلة، أكبر التجمعات السكانية في الريف، بعد عودة الدولة إلى القصير
الطريق إلى ريف المدينة ليست طويلة، ومعالمها واضحة. لم يتبدل شيء منذ العام الماضي. دمار في العاطفية والحسيبية والزراعة. لا انتخابات هنا ولا من ينتخبون. في ربلة التي تعتبر من أكبر التجمعات السكانية في الريف، الصورة مغايرة. كثافة اقتراع منذ الصباح، انتهت على أكثر من 3000 مقترع من القرية و500 أتوا من خارجها. مع ساعات الظهر بدأت المحال بفتح أبوابها. انتعشت ربلة كثيراً بعد عودة الدولة إلى القصير. عاد مزارعوها إلى أراضيهم بعدما منعهم قنص المسلحين عنها أكثر من عام. إلى العقربية والناعم والقرى المحيطة ببحيرة قطينة، ما زالت بساتين المشمش والتفاح تخبر عن جمال ريف القصير، وتكسر صورة الدمار في نواحٍ أخرى منه، كجوسيه العمار وجوسيه الخراب ومحيطهما. لم تسقط العقربية يوماً بأيدي المسلحين، تحمّلت عبء حصار الغسانية والقنص على الهاربين إليها عبر البحيرة صيفاً شتاءً.
حلقات دبكة ورقص. النصر محسوم هنا أيضاً. لا منافس للرئيس السوري، ونسبة المشاركة حتى السادسة مساءً بلغت 95% بحسب رئيس المركز. أخذت العقربية مكان القصير على المستوى التجاري. صارت مركز تسوق لبضائع آتية من محافظة حمص، يقصدها أهل الهرمل والقرى الحدودية بكثافة. أعادت إليهم شيئاً من ماضٍ حمصيّ يتحسّرون عليه.
الزحمة على المعابر الحدودية كانت لافتة. معبر ربلة الحدودي أو ما يعرف بمعبر المشرفة حصد عدداً كبيراً من المقترعين النازحين، تجاوز 10 آلاف. لم تنجح إجراءات الجيش اللبناني في منعهم من عبور الحدود. دلّهم عناصر حزبيون على مسارب وعرة توصلهم إلى خيمة الاقتراع. في حوش السيد علي خيمة صوّت فيها النازحون، وأيضاً قرب معبر مَطرَبة المؤدي إلى ريف القصير.
لا تبدو الانتخابات مشهداً استثنائياً. بالنسبة إلى المشاركين فيها، خصوصاً في الريف، هي استكمال لعودة الحياة إلى طبيعتها بنسبة كبيرة، تجارياً وسياسياً. وبالنسبة إلى المقاطعين، الانتخابات لا تغيّر شيئاً. معادلة الحضور والمقاطعة في القصير أعادت صورة الماضي القريب. المدينة الاستراتيجية، كما سوريا، منقسمة على نفسها.