لا يخفي العدو قلقه ممّا يُسمّيه «التموضع الإيراني» في سوريا. هو يضع هذا العنوان، لكنه يعرف أن الأمر يتعلّق بوضعية جديدة تخصّ فصائل عراقية وسورية ولبنانية تعمل ضمن محور المقاومة. وبالتالي، هو يعرف أن تعزيز القدرات الصاروخية لقوى المحور، على طول الجبهات المتّصلة بالصراع مع العدو، مستمرّ. مبدئياً، يمكن فهم ما جرى أمس على الحدود السورية ــــ العراقية في إطار المسار التقليدي لما بات متعارفاً عليه بـ»المعركة بين الحروب»، أي سعي العدو إلى تنفيذ عمليات عسكرية خارج الأراضي المحتلة بما يتوافق مع استراتيجية منع تراكم القوة عند الجهة المقابلة. وهي عملياتٌ تستهدف عادة إمّا منشآت قائمة أو قيد الإعداد، بالإضافة إلى شحنات خاصة من الأسلحة.إسرائيل لا تبادر عادةً إلى شرح ما تقوم به. هي تخوض معركة قواعد ووقائع. لكنها تستفيد من استخدام خصوم محور المقاومة وأعدائه في المنطقة لأجل التشريح والتحليل، وحتى تقديم الأمر بصورة مختلفة، من الإشارة إلى حجم الضربات ونوعيتها، مروراً بحجم الخسائر البشرية والمادية، وصولاً إلى تحديد هوية الذين تَعرّضوا للضربة. ويبدو أن هذه الأطراف ترفض الإقرار بواقعة أن العدو يسعى بكلّ ما أوتي من جهد لتجنّب استهداف أي موقع يوجد فيه عناصر من «حزب الله»، كما صار يتجنّب أيضاً إصابة الحرس الثوري الإيراني. وهذا الحذر مردّه إلى أن المقاومة في لبنان ستردّ حكماً على تلك الضربات. وإسرائيل، هنا، لا تريد مراكمة رصيد الهجمات المتوقّعة ضدّها من قِبَل المقاومة.
في الجانب الميداني، يجب الالتفات إلى أن مسرح الغارات إنما يقع عملياً ضمن دائرة العمل والمسح الاستخباري العسكري والأمني الأميركي، وأن أيّ معلومات تفصيلية تريدها إسرائيل سوف تحصل عليها من الجانب الأميركي، وهي مضطرّة إلى التنسيق معها حول الأهداف وحول توقيت الضربات ونوعيتها أيضاً. وبالتالي، فإن ما جرى لا يمكن اعتباره عملاً إسرائيلياً مستقلّاً عن الجانب الأميركي، ولا يمكن للعدوّ أن يعمل هناك من دون تعاون كامل مع الأميركيين. في القراءة السياسية، يمكن وضع التوقيت في سياق التصرّفات الإسرائيلية عشية انتقال الحكم في الولايات المتحدة الأميركية. وتُوجّه إسرائيل، هنا، رسالة إلى إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن، تقول فيها إن أيّ مفاوضات محتملة بين أميركا وإيران يجب أن لا تقتصر على الملف النووي، وإن ملفّ الصواريخ البالستية يجب أن يكون، حكماً، بنداً على طاولة البحث. وتريد إسرائيل إبلاغ إيران وقوى محور المقاومة أن التغيير السياسي في أميركا لن يُبدّل في استراتيجية الأخيرة في سوريا، وأن العمليات العسكرية سوف تتواصل بمعزل عن أيّ تحوّل سياسي.
صحيح أن المعطيات الأوّلية تشير إلى عمل كبير من حيث الحجم والنوعية، ولكن وفقاً للمعطيات، فإن الأمر لن يُغيّر في أصل الفكرة. وبالتالي، فلا يمكن توقّع التصرّف وفق قواعد مختلفة، وإن كان الجديد هو أن محور المقاومة بات يزيد من رسم الخطط العملياتية للردّ على هذه الهجمات بصورة لا تُحقّق هدف العدو بجرّ المنطقة إلى حرب واسعة الآن، وبما يسمح ببناء منظومة ردع يُفترض أن تأخذ وقتاً، لكنها تحتاج إلى جهود كبيرة على المستويين العملاني والاستخباري من جانب المقاومة. تبقى إشارة أخيرة إلى أن العدو يعرف تماماً أن الضربة الأخيرة، كما الضربات التي سبقتها أو ستليها، لن تُغيّر أيضاً من استراتيجية محور المقاومة في مواصلة أكبر عملية بناء للقوة الاستراتيجية حيث أمكن، جغرافياً وميدانياً وعسكرياً وتقنياً.