الحسكة | عاد مشهد قطع الطلاب مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية في محافظة الحسكة، مع ازدحام مضاعف هذا العام، بسبب قرار «الإدارة الذاتية» الكردية إغلاق آخر 118 مدرسة للتعليم الثانوي في المحافظة، لتمنع بذلك تدريس المنهاج الحكومي بمراحله كافة في مناطق سيطرتها. ومع تعدّد وسائل النقل، سواءً بالمواصلات العامة أو الدراجات الهوائية أو سيراً على الأقدام، يمضي طلاب الحسكة نحو تلقّي التعليم الحكومي، قادمين من الأرياف القريبة والبعيدة إلى مدينتَي القامشلي والحسكة. وعلى رغم خروج الطلاب والكوادر الإدارية والتعليمية في المدارس المغلَقة في تظاهرات احتجاجاً على إغلاق مدارسهم، إلا أن «الإدارة الذاتية» لا تزال تتمسّك باعتماد مناهج خاصة بها، على رغم الإقبال الضعيف عليها نتيجة غياب أيّ اعتراف دولي أو محلّي بها، بل إن قوات «الأسايش» الكردية فرّقت بالقوة اعتصاماً لطلاب «مدرسة الشهيد حنا عطا الله» للمطالبة بإعادة افتتاحها، واعتقلت عدداً من الطلاب لعدّة ساعات قبل أن تفرج عنهم.إزاء ذلك، اعتبرت وزارة الخارجية السورية في بيان أن «ميليشيات قسد المرتبطة بالاحتلال الأميركي تواصل جرائمها بحق أهالي المناطق التي توجد فيها، مستهدفةً قطاع التعليم، ومؤكدةَ نهجها الرامي إلى نشر الجهل والأمية من خلال الترهيب والحرمان من المتطلّبات الأساسية، مُهدّدةً بذلك مستقبل آلاف الأطفال والشباب». وأشار البيان إلى أن «انتهاكات ميليشيا قسد الإرهابية اتخذت طابعاً ممنهجاً منذ عام 2013، عندما بدأت تدخلاتها في مضمون المناهج الدراسية، ثمّ صعّدت باتجاه الاستيلاء بالقوة على المدارس وتحويلها إلى مقرّات عسكرية وسجون، وتهديد الطلاب والأهالي وترهيب الكوادر التدريسية والإدارية، مستفيدةً من الدعم الذي تُوفّره لها قوات الاحتلال الأميركي». وأضافت الوزارة أن «قسد» عملت على «إيقاف التعليم في المدارس بصورة تدريجية، وفرض مناهج تعليمية من دون إيلاء أيّ اعتبار لنوعيتها ومحتواها».
عملياً، تسعى الجهات الحكومية السورية إلى تصعيد الضغوط على القيادات الكردية لإعادة افتتاح المدارس الحكومية، وتحييد التعليم عن الصراعات السياسية والعسكرية. وفي هذا الاتجاه، عقد محافظ الحسكة، غسان حليم خليل، اجتماعاً مع ممثلي الأمم المتحدة ومنظمة «اليونيسف»، طالب فيه بـ«التدخل الأممي لتحييد التعليم عن أيّ صراعات»، مؤكداً أن «مسيرة التعليم مستمرة في المحافظة، على رغم كلّ ممارسات عصابات قسد الرامية لتجهيل الجيل، خدمة لأجندة الاحتلال الأميركي». ولفت خليل إلى أن «الحكومة السورية عملت وتعمل على استيعاب كامل طلاب محافظة الحسكة بكلّ جغرافيتها، لضمان حصولهم على حقهم في التعليم الحكومي».
اعتمدت «الإدارة الذاتية» الكردية منذ عام 2013 منهاجاً خاصّاً بها


وبالتوازي مع التحرّك نحو المنصّات الدولية، تعمل محافظة الحسكة، بالتنسيق مع وزارة التربية، على اتخاذ سلسلة إجراءات تهدف إلى توفير أماكن إضافية للطلاب في المدارس الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في المحافظة. وفي هذا الإطار، يفيد مدير الشؤون القانونية في وزارة التربية، مدين بورداني، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن «وفداً وزارياً يوجد في الحسكة منذ أول أيام افتتاح المدارس، لاتخاذ إجراءات فورية وإيجاد حلول للمشاكل الطارئة التي تعترض العملية التعليمية في المحافظة». ويضيف بورداني أن «قرارات استثنائية اتُّخذت لإيجاد أماكن جديدة، وافتتاح مزيد من المدارس، وتوسيع بعضها، بهدف استيعاب جميع الطلاب في المحافظة»، لافتاً إلى «الموافقة على زيادة أعداد الطلاب في المدارس الخاصة، والسماح باستثمار أيّ مبنى كمدرسة، لسدّ النقص الحاصل في عدد المدارس التي استولى مسلّحو قسد عليها». ويتهم بورداني «قسد» بـ«إغلاق المدارس لنشر الجهل، وإجبار الأطفال واليافعين على التطوّع في صفوفهم»، مطالباً «الأمم المتحدة ومنظمتَي اليونسيف واليونيسكو بتحمّل مسؤولياتها في وقف الجريمة التي تُرتكب بحرمان الطلاب من تلقّي التعليم».
بدورها، تشير مديرة التربية في الحسكة، إلهام صورخان، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «أكثر من 125 ألف طالب التحقوا بالمدارس الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وذلك ضمن 179 بناء مدرسياً فقط»، مُذكّرة بـ«استيلاء قسد على 2106 مدارس حكومية، وتحويل معظمها إلى استخدامات غير تعليمية وبعضها عسكري». وتحذّر صورخان من أن «إغلاق قسد للمدارس، والتسبّب باكتظاظ الشعَب الصفيّة في المدارس المحدودة، يرفع من مخاوف تفشي فيروس كورونا»، مُحمّلةً «قسد مسؤولية حدوث هذه الكارثة».
واعتمدت «الإدارة الذاتية» الكردية، منذ عام 2013، منهاجاً خاصّاً بها، وحاولت فرضه على الطلّاب والأهالي بالتدريج، وصولاً إلى منع التعليم الحكومي بمراحله كافة هذا العام، في مناطق سيطرتها. ونتيجة لذلك، انخفض عدد المدارس التي تُدرّس المنهاج الحكومي، من 407 مدارس العام الفائت، إلى 179 مدرسة فقط في العام الحالي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا