بعد استعادة الدولة السورية سيادتها على مساحات واسعة من جغرافيا البلاد، وفي ظلّ الهدوء الذي تشهده اليوم غالبية المناطق السورية، يستحوذ قطاع النفط على الجزء الأكبر من الاهتمام المحلي على المستويَين السياسي والأهلي، وخصوصاً في ظلّ الإصرار الأميركي على حرمان الدولة السورية من مواردها في هذا المجال.وعلى الرغم من أن سوريا لم تكن من الدول الكبيرة المُصدّرة في المنطقة، إلا أنها كانت تحقّق اكتفاءً ذاتياً من النفط عالي الجودة، وتُصدّر الفائض منه، لكن الحرب التي اندلعت في البلاد منذ قرابة تسع سنوات أدّت إلى توقف شبه تام للإنتاج، على رغم المحاولات الحكومية لإنعاش القطاع، والاستفادة من الآبار التي تم تحريرها لتدوير عجلة الإنتاج من جديد. وفي فترة ما قبل الحرب، كان يصعُب الوصول إلى أرقام دقيقة حول إنتاج النفط السوري، باعتباره من القطاعات البعيدة عن التداول الإعلامي. إلا أن عام 2010 شهد نشر أولى الإحصائيات لوزارة النفط والثروة المعدنية السورية، والتي أعلنت فيها أن إنتاج البلاد من النفط يبلغ قرابة 385 ألف برميل يومياً.
ومع بداية الحرب، كان قطاع النفط من أولى القطاعات التي استُهدفت، إذ بدأت آبار النفط والغاز تخرج عن سيطرة الحكومة بعد انسحاب وحدات الجيش من الشريط الحدودي الشمالي، وسيطرة «وحدات الحماية الكردية» على كامل آبار نفط رميلان، فيما تعاقب كلّ من فصائل «الجيش الحر» و«النصرة» و«داعش» على السيطرة على آبار النفط في ريفَي دير الزور الشرقي والحسكة الجنوبي. ويمكن اعتبار فترة الهجمات المسلحة التي طاولت قطاع النفط واحدة من أصعب المراحل التي أوصلت إنتاج البلاد إلى أقلّ من ألفي برميل في الفترة ما بين عامي 2014 و2017. واعتمدت الحكومة السورية، في تلك الفترة، على تأمين المشتقّات النفطية عبر الخط الائتماني مع إيران، بالإضافة إلى شحنات كانت تصل إلى البلاد عبر البر، وتسدّ جزءاً مهماً من حاجتها.
وبعد انحسار سيطرة تنظيم «داعش» في البادية السورية وريف دير الزور، تسابق الأميركيون و«قسد»، مع الروس والجيش السوري، للاستحواذ على آبار النفط. إلا أن قرب منابع النفط الرئيسة من مناطق نفوذ الأكراد أدى إلى هيمنة كاملة لـ«قسد» و«التحالف الدولي» بقيادة واشنطن على آبار النفط والغاز في ريفَي دير الزور الشرقي والحسكة الجنوبي. مع ذلك، شهد قطاع النفط بعض الانفراجات على الصعيد المحلي، بعد أن استعاد الجيش السوري السيطرة على عدة آبار في باديتَي دير الزور وحمص وريف الرقة، لكن تعرّض تلك المنشآت لتدمير كبير جعلها ذات قدرة متدنية على التأثير في كمية الإنتاج المحلي، بينما بات أكثر من 95% من إنتاج النفط والغاز في البلاد في يد «قسد» و«التحالف».
ولّدت العقوبات الاقتصادية على قطاع النفط السوري صعوبة في تأمين الصيانة للآبار


ويُقدّر إنتاج حقول النفط في ريف دير الزور، الذي كانت تتولى العمل في معظم أجزائه «شركة الفرات للنفط»، بنحو 50 % من الإنتاج العام للبلاد، فيما كانت حقول الشدادي والهول والرقة، والتي تتبع إدارياً مديرية حقول الجبسة، تنتج ما بين 28 ألفاً و30 ألف برميل يومياً في نهاية عام 2010. كذلك، كانت حقول النفط في رميلان تنتج حتى نهاية عام 2010 نحو 160 ألف برميل يومياً عبر حقول رميلان وكراتشوك وسويدية، و14 محطة نفطية يصبّ فيها إنتاج أكثر من 1300 بئر نفط وغاز، وينتج منها الأكراد حالياً ما يزيد على 20 ألف برميل يومياً، أي 600 ألف برميل شهرياً. ومع سيطرة «قسد» على مناطق نفطية في ريفَي الحسكة ودير الزور، ارتفع إنتاجها النفطي إلى قرابة 70 ألف برميل يومياً، بحسب إحصاءات محلية.
في المقابل، ومع تصاعد الضغط الاقتصادي على الحكومة السورية أخيراً، وفي ظلّ صعوبة تأمين حاجتها من النفط الخام نتيجة انخفاض المدّخرات من القطع الأجنبي، وتشديد الإجراءات الأميركية على توريد النفط إلى البلاد، عمدت الحكومة إلى محاولة الاستفادة من الآبار التي تم تحريرها؛ إذ عملت على صيانتها وإعادتها إلى الخدمة، وتمكّنت من رفع كميات الإنتاج فيها بشكل ملحوظ. ونجحت الجهود الحكومية في إعادة العمل إلى عدد من الآبار، أبرزها سلسلة آبار آراك والشاعر والهيل، مع بئر «دير عطية 2»، و«شريفة 2» و«شريفة 102»، وشرق الآراك. كما نجحت الدولة في رفع إنتاج البلاد من ألفي برميل في بداية عام 2017 إلى 16 ألف برميل مع نهاية عام 2018، ومن 6.5 ملايين متر مكعب من الغاز في عام 2017 إلى 13.5 مليون متر مكعب في نهاية عام 2018. وبحسب تصريحات لمدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة النفط السورية، محمد جيرودي، فإن إنتاج سوريا اليومي من النفط في عام 2019 «ارتفع إلى 24 ألف برميل من النفط، و17.8 مليون متر مكعب من الغاز»، وهي «أرقام قليلة جداً قياساً بباقي النفط الخارج عن سيطرة الحكومة السورية» وفق ما يوضح جيرودي. ووفق إحصاءات رسمية تعود إلى ما قبل الحرب، كانت سوريا تحتاج إلى 230 ألف برميل لتأمين احتياج نحو 23 مليون سوري.
كذلك، ولّدت العقوبات الاقتصادية على قطاع النفط السوري صعوبة في تأمين الصيانة للآبار التي لحقها الضرر؛ إذ اعتمدت هذه العملية على خبرات محلية، بالتعاون مع شركات روسية، لإنجاز صيانة آبار وخطوط في المنطقة الوسطى. وفي وقت غادرت فيه كامل الشركات الأجنبية التي تعمل في قطاع الإنتاج والتنقيب عن النفط نتيجة تردي الأوضاع الأمنية والعقوبات، أقرّ مجلس الشعب السوري مشروع قانون يتضمّن المصادقة على عقود موقّعة مع شركتين روسيتَين للتنقيب عن النفط والغاز في سوريا. ويشمل المشروع عقدين وُقّعا في أيلول/ سبتمبر الماضي، الأول بين وزارة النفط والثروة المعدنية وشركة «ميركوري» الروسية للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في منطقتَي «البلوك 7» و«البلوك 19»، والثاني بين الوزارة نفسها وشركة «فيلادا» الروسية في منطقة «البلوك 23». وأوضح وزير النفط والثروة المعدنية السوري، علي غانم، أن «البلوك 7» هو «حقل نفطي في منطقة الجزيرة (شرق الفرات)، ويمتدّ على مساحة 9531 كيلومتراً مربعاً، مضيفاً أن «المشروع الموقّع مع شركة فيلادا في البلوك 23 هو مشروع في حقل غاز يقع شمال دمشق، يمتدّ على مساحة 2159 كيلومتراً مربعاً».



الشركات خرجت ولم تعد
لطالما اعتُبرت سوريا من المناطق الجاذبة لشركات النفط الإقليمية والعالمية، إذ كانت تعمل داخل أراضيها 11 شركة متخصّصة في التنقيب وإنتاج واستثمار النفط والغاز. وتصدّرت شركة «شِل» البريطانية شركات الاستكشاف والإنتاج، بالإضافة إلى شركتَي «بترو كندا» الكندية، و«إينا» الإيطالية، مع ست شركات أخرى عملت في قطاع الإنتاج، أبرزها «توتال» الفرنسية، و«الشركة الصينية الوطنية»، و«ساينوبيك» الصينية، وثلاث شركات صغيرة أخرى، فضلاً عن شركتَي «موريل بروم» و«لون إنيرجي» في مجال الاستكشاف. وتعرّضت هذه الشركات لخسائر كبيرة بعد اندلاع الحرب في سوريا، بلغت نحو 6.4 مليار دولار، وفق إحصاءات صادرة عن وزارة النفط، نتيجة خسائر طاولت الإنتاج والمعدّات والتجهيزات، فيما خسرت الحكومة السورية 13 مليار دولار من الإيرادات النفطية، بالإضافة إلى تدمير كبير طاول منشآت وآباراً وحقولاً بعد استهدافها من طائرات «التحالف الدولي»، والجماعات المسلحة التي تعاقبت على السيطرة على مناطق نفطية عديدة.