لم تكمل «تسوية الجنوب» عامها الأول، من دون أن تترنّح وسط أجواء متوترة خلّفها الكثير من الخروقات اليومية للاتفاقات التي توصلت إليها الفصائل مع حكومة دمشق، برعاية الجانب الروسي. ومع أن الدولة التزمت بغالبية بنود تلك التسوية، ولا سيما في ما يتعلق بأوضاع مسلحي المنطقة، وعدم انتشار الجيش السوري داخل القرى والأحياء، إلا أن الأوضاع الأمنية عادت إلى التأزم. المسلحون الذين عُدّلت أوضاعهم مُنحوا بطاقات تثبت انخراطهم في التسوية، فيما امتنع عناصر الجيش والقوى الأمنية عن الانتشار في مناطق مثل طفس في الريف الغربي، ونمرة في الشرقي، وبعض أحياء درعا البلد، ليقتصر توزعهم على بعض المفارق والمداخل الأساسية في مدينة درعا والبلدات المحيطة، توازياً مع دخول خدمات الحكومة السورية إلى المدينة وريفها. لكن القلاقل عادت، أخيراً، إلى التصاعد في المنطقة، في صورة استهداف للعناصر العسكريين والأمنيين وبعض وجوه المصالحة. تصاعد يُسجَّل للحكومة السورية، حتى الآن، التزام كامل بضبط النفس حياله، والتعاون مع مسؤولي المدينة وجوارها ووجهائهما لمعالجة الأمور على مبدأ الصلح، عبر عقد اجتماعات متلاحقة مع المشايخ وبعض «زعماء الأمر الواقع» الذين خلّفتهم الحرب.وكانت الأشهر الستة الأولى، بعد بدء سريان التسوية، شهدت التزاماً تاماً من جميع الأطراف بإعادة الحياة الطبيعية إلى درعا وريفها، لكن مع بداية العام الحالي، ظهرت حالات من النشاط المسلح، أفضت إلى عمليات محدودة استهدفت الجيش وبعض قيادات المسلحين مِمَّن وافقوا على التسوية، فضلاً عن عرّابي الأخيرة من الأهالي ومديري البلديات والعديد من المتعاونين مع الجيش والحكومة، عبر زرع عبوات ناسفة على الطرق العامة، أو نصب كمائن من قِبَل مجموعات مسلحة. وفي هذا الإطار، شهدت بلدة تل شهاب في الريف الغربي، قبل أيام، إطلاق نار على القيادي السابق في صفوف المسلحين، يوسف البكار، أدى إلى إصابته بجروح خطيرة. كما تمت تصفية إياد النمر، أحد رجال المصالحات في مدينة الحراك في الريف الشرقي، إضافة إلى المواطن محمد جهاد الحلقي، فيما أصيب مواطنون آخرون برصاص مجهولين في مدينة جاسم شمال درعا. كذلك، شهدت المراكز الأمنية ومفارز الشرطة في عدد من بلدات ريف درعا هجمات متفرقة وعمليات خطف، كما في صنفين وطفس. وعلى رغم كل تلك الاستفزازات، وافقت الدولة على الإفراج عمّا يزيد على 1000 سجين، كثيرون منهم اعتُقلوا على خلفية مشاركتهم في القتال ضد الجيش السوري.
يرفض معظم الأهالي حوادث «التخريب الممنهج بعد الهدوء الذي عاشته القرى والبلدات»


مع ذلك، اتُخذت هذه المبادرة ذريعة لدى البعض للعودة إلى العمل المسلح، بدعوى عدم التزام الدولة بمضمون الاتفاق الذي يقضي بالإفراج عن 4500 سجين لا عن قرابة 1000 فقط، في حين بات آخرون يطالبون بإعادة أهاليهم من المخيمات في الدول المجاورة، وهو ما يصعب تنفيذه بشكل فوري، ولكنه قد يجري على مراحل. وفي هذا الإطار، أفاد مركز المصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية في سوريا، قبل أيام قليلة، بأن ما يقارب 720 لاجئاً، غالبيتهم من البلدات الجنوبية، عادوا من الأردن دفعة واحدة عبر معبر نصيب، بينهم 216 امرأة و367 طفلاً. كما سجل «مكتب توثيق الشهداء في درعا»، وهو موقع تابع للفصائل المعارضة، إطلاق الحكومة السورية سراح 66 معتقلاً وموقوفاً في عمليات إفراج جماعية على أربع دفعات، منذ 23 أيار/ مايو 2019، ضمن ما قالت دمشق إنه «عفو رئاسي خاص» يشمل الإفراج عن أكثر من 1000 معتقل.
على المستوى الأهلي، تؤكد مصادر محلية، لـ«الأخبار»، رفض معظم الأهالي حوادث «التخريب الممنهج بعد الهدوء الذي عاشته القرى والبلدات»، لكنها تتحدث عن «الطابع العشائري وما يفرزه من واقع متعلق بمسائل تتعلق بالأخذ بالثأر ورد الأذية وعدم القبول بمصالحات الحكومة»، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً. وعن احتمال تنفيذ عملية عسكرية لوقف التدهور الحاصل في المنطقة، تستبعد مصادر عسكرية الإقدام على عمل كبير بسبب تخفّي المسلحين بين المدنيين، لكنها ترجح احتمال القيام بعمل محدود، مترافق مع متابعات أمنية دقيقة، بالاستفادة من تعاون الكثير من الأهالي مع القوى الأمنية، عبر الإبلاغ عن مقارّ سرية للمسلحين لم تُكشف من قبل، إضافة إلى مستودعات أسلحة لم يجرِ تسليمها.