مرحلة من الاكتئاب يعيشها المعلّمون، سنوياً، أثناء سير العملية الامتحانية. يكتب رئيس كل مركز امتحاني في تقريره الرسمي، عادةً، عبارة عامة وجامدة تقول: «سارت العملية الامتحانية بشكل جيد. ولا شيء يُذكر». غير أن العبارات الرسمية لا تعبّر عن واقع الحال. أخبار متواترة من المراكز الامتحانية في طول البلاد وعرضها، تتعلق بفصل رؤساء مراكز امتحانية أو نقلهم أو إعفاء مراقبين، إضافة إلى إلغاء نتائج الامتحانات في بعض المحافظات. غير أن ما لا يُنشر أسوأ بكثير، إذ إن الهدوء الإعلامي الذي يعمّ مراكز امتحانية أُخرى لا يعني أن النزاهة مخيّمة على المشهد، بل قد يقودنا إلى توقعات متشائمة تتعلق بالاستكانة إلى الفساد، والاستسهال في ضبط العملية الامتحانية.فرق التفتيش التابعة لوزارة التربية تحركت في كل مكان، ما ترك أصداءً إيجابية وسلبية في آن واحد؛ إذ إن البعض يسرّه ضبط الأوضاع في المراكز الامتحانية من قِبَل الوزارة بعدما بلغ الفساد مداه، فيما يرى آخرون أن كثرة الحرص على الانضباط واستعراضه يتسببان في التشويش على الطلاب الممتحَنين، ويؤثر على هدوء ساعات الامتحانات. يروي مراقبون في مدينة اللاذقية حكايات عن طلاب قاموا بتهديد إحدى المراقبات لأنها لم تسمح بالغش، متوعّدين بالانتقام منها بعد الخروج من المركز. بتعقّب حكاية المراقِبة، تبيّن أنها نجت من تنفيذ التهديد، ليصدر لاحقاً تعميم عن وزارة العدل حول كيفية التعاطي مع الشكاوى ضد المدرسين، يحسم الشأن القانوني لصالح الكوادر التربويين، بمنع صدور أي مذكرة توقيف بحق أي من أفرادها، إلا بعد الرجوع إلى مدير التربية المختص للاستيضاح حول الأمر، من غير اعتماد القضاء على ما يقوله المدّعي فقط. وزير التربية، عماد العزب، لفت، في تصريح إلى الإعلام المحلي، إلى أن التعميم جاء نتيجة التنسيق بين وزارتَي التربية والعدل، بهدف خلق نوع من الحصانة القانونية للمدرسين والمعلمين، ووضع حدّ لِمَن يحاولون التطاول عليهم، بتقديم شكاوى كيدية بحقهم، إرباكاً للعملية التربوية. ويحصر التعميم أي ادعاء ضد مدرّس أو معلّم من خلال المحامي العام الأول أو المحامي العام في المحافظة، فإذا تبيّن أن الشكوى ذات مضمون تربوي، ولا جانب جنائياً أو جنحياً فيها، تتم إحالتها إلى مدير التربية المختص. أما في حال وجود جانب جنائي أو جنحي في الشكوى، فلا تصدر مذكرة توقيف بحق المدرّس أو المعلّم كما كان يجري سابقاً، بل يتم التواصل مع مدير التربية المختص للحصول على المعلومات الدقيقة. وجاء هذا التعميم على رغم قلة الشكاوى القانونية ضد الكوادر التربويين، لكن في ظلّ تكرار حالات تعرّض المدرّسين للضرب والاعتداء من قِبَل الطلاب.
مشهد الفوضى يتجدد كل عام بالنظر إلى أن علاج الداء يبدأ من النتائج


وبين ارتياح معنوي لصدور التعميم المذكور، وتجاهله من قِبَل الكثير من المراقبين، رأى البعض أنه لن يؤثر على مستوى عودة مكانة المدرّسين إلى ما كانت عليه، فيما اعتبر آخرون أنه لا علاقة له بسير العملية الامتحانية إطلاقاً؛ فهو لا يتطرق إلى التعرض للمدرّسين بالعنف الجسدي، على رغم كثرة التهديدات خلال فترة الامتحانات. وأشار مدرّسون رفضوا ذكر أسمائهم إلى أن هذه المرحلة من العام تتسيّدها عروض الرشى والواسطات، والضغوط في اتجاه التساهل مع الطلاب «المدعومين»، فضلاً عن الأجواء الامتحانية المثيرة للجدل في مناطق ترزح تحت مخاوف أمنية، كمدينة درعا مثلاً، حيث بدت واضحة خشية بعض المراقبين والمفتشين من التشدد في تطبيق التعليمات، خوفاً من حملات انتقامية بحقهم من قِبَل الطلاب وأهاليهم، ما يشي بتفاوت في النتائج بين المراكز، بحسب كل مدينة وواقعها الأمني. واللافت أن البدل المادي للمراقبة 100 ليرة فقط، أي إن بدل اليوم الامتحاني كاملاً يتراوح بين 200 ليرة و 400 ليرة، ما يعادل 0.75 دولاراً كحد أقصى لليوم الواحد. وعليه، فإن هدوءاً ظاهرياً طغى على المراكز الامتحانية لا يشي بإيجابية تسرّ فرق التفتيش الوزارية.
والحق أيضاً أن وضع هذه الفرق يبدو كوضع من لا يعرف من أين يبدأ، فهل الحكاية تبدأ وتنتهي من مركز امتحاني واحد في منطقة قنينص في اللاذقية أحيل جميع القيّمين عليه إلى الرقابة الداخلية، بمن فيهم المستخدَمون، بسبب ضبط حالات غش متعددة خلال زيارة فريق التفتيش الوزاري؟ الأمر ذاته تكرر في إحدى مدارس مدينة دريكيش، بعدما حاول رئيس مركز امتحاني ومراقبوه التستر على أحد الطلاب. أما القصة الأكثر انتشاراً فكانت إلغاء نتائج امتحان مادة علم الأحياء للشهادة الثانوية في السقيلبية في حماة، إثر تجاوز التعليمات الامتحانية والإخلال بنزاهة الامتحانات، ما أدى إلى إعفاء مشرف المجمّع، بسبب التساهل في المراقبة ووجود الكثير من عمليات ضبط الغش. وما زاد الطين بلة أيضاً، توسّع الحادثة لتصل إلى نقل مراكز مدينة السقيلبية إلى داخل مدينة حماة.
مشهد الفوضى يتجدد كل عام، بالنظر إلى أن علاج الداء يبدأ من النتائج، بدلاً من دراسة الأسباب. وبحث دراسة الأسباب يتصل بعمق العملية التربوية، وبالمناهج والإعداد والتأهيل للكوادر التربويبن والتعويض المالي المُخجل، وصولاً إلى الواقع الأمني في البلاد، والذي نشأ عنه ميل لدى الطلاب نحو العنف والفوضى والتفلّت من القواعد التربوية.