هذا المشهد الاحتفائي ظهر واضحاً أنه يصبّ مباشرة في مصلحة نتنياهو، الذي تعمّد بوتين تقديم خدمة شخصية له، بما يساعده انتخابياً في مواجهة خصومه. تجلّى ذلك في الحرص على أن تتم عمليات تسليم الرفات قبل أيام معدودة من إجراء الانتخابات العامة، وأن يترافق الإعلان عنها مع زيارة لرئيس وزراء العدو إلى موسكو، بدا الأخير في عقبها، مع ما رافقها من ترحيب وتكريم مبالغ فيهما، كما لو أنه عائد من عملية عسكرية أدت الى تحرير أحد الجنود الإسرائيليين. وهي صورة ستظلّ حاضرة حتى يوم الانتخابات، وخصوصاً أن نتنياهو سرعان ما أتبعها باستعجال عودته من موسكو إلى القدس المحتلة للمشاركة في مراسم دفن الجندي التي تمّت أمس، حيث توجّه إلى الرأي العام بكلمات عاطفية من قبيل: «أحسست بقشعريرة عندما علمت بأن زخاريا بات معنا مجدداً، وبأنه جرى التعرف إلى رفاته، وبأننا سنتمكن من دفنه». مراسم وكلمات سيكون لها حتماً وقعها على الوجدان الشعبي، وبالتالي تأثيرها على اختيارات الجمهور، حتى لو أدت «المساعدة الروسية» إلى استثارة اتهامات لموسكو بمحاولة التأثير في الانتخابات، إلا أن المشكلة التي ستواجه منافسي نتنياهو هي أن قضية باومل تمسّ وجدان الجمهور الإسرائيلي، وهو ما قد يساهم في الحدّ من الانتقادات.
تضاف هدية بوتين لنتنياهو إلى هدية أخرى كان قد أسداها إليه الرئيس الأميركي
ولا تقتصر عملية التوظيف الانتخابي على مراسم الدفن، بل إنه، بالنظر إلى آلية صناعة القرار في الكيان العبري، والهامش الذي يملكه المستوى السياسي في مثل هذه القضايا، يمكن القول إنه لا يوجد شك في أن اختيار توقيت الإعلان كان وفق ساعة الانتخابات، وبما يخدم نتنياهو. لا يعني ذلك أن عمل الأجهزة الأمنية مرتبط بالبعد الانتخابي، وإنما هو نشاط عملاني ومهني تقوم به الأجهزة منذ سنوات، ولكن كما في الكثير من القضايا فإن المستوى السياسي قادر على التحكم بالوتيرة والتوقيت واختيار السياق الملائم لتظهير الموضوع إلى الإعلام، وتحويله إلى حدث سياسي له نتائجه الداخلية.
وتضاف هدية بوتين لنتنياهو إلى هدية أخرى كان قد أسداها إليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتوقيعه الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. وإذا كانت خطوة ترامب مرتبطة بما يحضّر له الطرفان ــــ بالتعاون مع الشركاء العرب ــــ للمنطقة تحت عنوان «صفقة القرن»، فإن خطوة بوتين تنسجم والسياسة العامة التي تنتهجها موسكو حيال تل أبيب، والقائمة على الحرص على أحسن العلاقات الثنائية. وهي تؤكد في الوقت نفسه حقيقة المسافة التي تفصل بين موسكو ومحور المقاومة في الموقف من إسرائيل، وأن لكل منهما رؤيته وخياره وموقفه وأولوياته التي تتقاطع أحياناً وتتباين أحياناً أخرى. وعليه، قد تكون الخطوة الروسية الأخيرة مفاجئة بمعايير محددة، لكنها تتلاءم مع أداء موسكو على الساحة السورية، حيث تحاول الجمع بين تقاطعاتها مع محور المقاومة في مواجهة الإرهاب والضغوط الأميركية، وبين علاقاتها بتل أبيب.
وفي ما يتعلق بالنقطة الأخيرة تحديداً، يتوقع كل من طرفي العلاقة من الآخر أن يراعي مصالحه رغم الاختلافات. إذ ترى تل أبيب في موسكو بوابة إلزامية لأي ترتيب سياسي ــــ أمني على الساحة السورية، وكذلك ضمانة لعدم الانزلاق نحو مواجهة عسكرية واسعة مع محور المقاومة. في المقابل، تحاول موسكو رسم معادلات ومسارات للطرف الإسرائيلي ــــ بقدر ما ــــ بما ينسجم ومصالحها على الساحة السورية. وفي هذا الإطار، لفت معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «معاريف»، يوسي ميلمان، إلى أنه «بالنسبة إلى الرئيس الروسي، لا يوجد شيء مجاني»، وعاجلاً أو آجلاً سيجبي بوتين الثمن مقابل المساعدة التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الروسية، هذا إذا لم تكن إسرائيل قد دفعت إلى الآن.
وفي سياق متصل، التقى رئيس الأركان الروسي، أمس، كبار قادة الجيش الإسرائيلي، خلال زيارة نتنياهو لموسكو. ولفتت تقارير إعلامية إلى أن موسكو طلبت خلال اللقاء «وقت إنذار أطول قبل العمليات الإسرائيلية في الساحة السورية»، لكن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق. كما تضمن اللقاء نقاشاً حول صفقة «أس 300» مع سوريا. وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن الهدف الأساسي للزيارة هو ترميم العلاقات بين الجيشين. إلى ذلك، أكد مصدر سياسي في محيط نتنياهو أن الأخير ناقش مع بوتين سبعة مواضيع، وأنه لم يتم التوصل إلى تفاهمات نهائية بخصوص معظمها. ولفت المصدر إلى أن إسرائيل «تتحدث مع الروس حول الموضوع (الجندي) منذ عامين، وقد عرضنا معلومات استخبارية ذات جودة ونقلناها إليهم، ومنذ ذلك الحين التقى الرئيسان 4 مرات، وطرح الموضوع في كل اللقاءات». وفي محاولة لتسويق دور نتنياهو في العلاقات الدولية التي تخدم إسرائيل، أضاف المصدر إن «العلاقات المباشرة بين بوتين ونتنياهو تخدمنا أيضاً مقابل إيران وحزب الله، وأيضاً في مواضيع دولية أخرى، العلاقة أوصلتنا بعيداً».
دمشق: لا علم لنا بموضوع «زخاريا»
قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، خلال استقباله رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، إن «شركاءنا السوريين ساعدوا في العثور على رفات (الجندي الإسرائيلي القتيل) زخاريا باومل». لكن مصدراً إعلامياً سورياً أكد أنه «لا علم لسوريا بموضوع رفات الجندي الإسرائيلي»، معتبراً «ما جرى دليلاً جديداً يؤكد تعاون المجموعات الإرهابية مع الموساد». وشدد المصدر على أنه «ليس لدينا أي معلومات حول موضوع الرفات برمّته، ولا وجوده من عدمه». والجدير ذكره، هنا، أن هذه ليست المرة الأولى التي تدّعي فيها موسكو وجود تعاون مع دمشق على هذا الموضوع، إذ سبق لوزارة الدفاع الروسية أن أعلنت، في بيان العام الماضي، أن قواتها العاملة في سوريا «نظّمت عملية بحث بناءً على طلب إسرائيل، للعثور على رفات عسكريين إسرائيليين، بعدما تم التوافق عليها مع شركاء سوريين على المستوى العملياتي». وأضاف البيان إن «البحث أجري في منطقة عمليات عسكرية داخل أراضٍ يسيطر عليها داعش... وخلالها تعرض العسكريون الروس لإطلاق نار من قِبَل الإرهابيين... ورغم ذلك، كانت روسيا مستعدة لإكمال العملية».