تعكس هذه الأجواء المتوترة خوف أهل هذا الريف من «عودة داعش» في أي لحظة. ورغم إدراك قيادة «قسد» خطورة الوضع في كامل ريف دير الزور الخاضع لسيطرتها، فإنها لم تتخذ أي إجراءات واسعة تستهدف كشف خلايا التنظيم واعتقالها. الحجة الحاضرة لعدم التحرّك هي، وفق مصدر في «قسد»، انشغال القوات بالمعارك في مزارع الباغوز، وسط وعود بتكثيف الجهد الأمني خلال وقت قريب.
تكاد تنعدم حركة الانتقال بين بلدات وادي الفرات ليلاً
في رحلة الانتقال بين أرياف دير الزور، ليس من السهل الحديث إلى المدنيين، خاصّة لمن يعرّفون أنفسهم كصحافيين. البعض يتهرب من الحديث، وآخرون ينبّهون إلى خطورة العمل، فيما تعبر في الخلفية سيارات مسرعة تقلّ عسكريين في «قسد». ومن بعيد، يأتي صوت مذكّراً: «انتبهوا... حتى السيارات العسكرية تمضي مسرعة خشية الألغام والعبوات الناسفة». ورغم الصمت السائد رداً على معظم الأسئلة، يلخّص أحد أهالي المنطقة، بلهجته المحكية، الواقع: «تريد الصحيح. الوضع مو زين، ومابي أمان»، ليأتي تعقيب من آخر: «الأسبوع الماضي هجموا على محلّ لبيع الدخان في البصيرة بالعصي، وكسّروا كل شي فيه بالكامل. داعش لا يزال هنا».
«لا أمان»
السير من الشحيل باتجاه بلدة ذيبان يدفعك إلى الحذر والأخذ بنصائح أهل المنطقة. ويتيح تعطّل الآلية التي نستقلّها، والوقت اللازم للصيانة، إجراء دردشة سريعة. يقول خالد ابن البلدة: «أنام كل يوم وسلاحي تحت رأسي، الناس هنا تخشى التشليح، والسرقة انتشرت بشكل كبير». ويضيف أن «لا أحد يستطيع أن يصرّح عمّا لديه من مال. منذ أيام قتلوا الصائغ الوحيد الذي كان يعمل في المنطقة، وأخذوا ماله». النشاط التجاري في بعض بلدات الريف الشرقي يستمرّ حتى ساعات المساء الأولى، فيما تكاد تنعدم حركة الانتقال بين بلدة وأخرى بعد الثامنة مساءً. ومن على دراجته النارية، وبشعره الطويل الذي كان سمة لشباب تلك المنطقة حتى اندلاع الحرب الأخيرة، يؤكد محمد أن «الانتقال بين بلدة وأخرى ليلاً مخيف، ولا أحد يتجرأ على فعل ذلك إلا المضطرون». ويبرر ذلك بـ«قلة الأمان، وانتشار اللصوص وقطاع الطرق، بالإضافة إلى الحوادث الأمنية».
ريف الحسكة الجنوبي يشهد اضطرابات أمنية أقل من ريف دير الزور المجاور، ومنها حادثة استهداف رتل يتبع «التحالف الدولي» مطلع العام الحالي، بالإضافة إلى تفجيرات متفرقة استهدفت دوريات لـ«قسد». ولكن ذلك لم يمنع حدوث حالات اختطاف استهدفت عسكريين ومدنيين يعملون مع «قسد» في المنطقة، من بينها اختطاف رئيس «مجلس بلدة عجاجة المحلي» التابع لـ«مجلس سوريا الديموقراطية»، في بلدة العطالة ثم قتله. كما تحضر منشورات على الطرقات والجدران في بعض البلدات، تتوعد كل من يعمل مع «قسد» أو الحكومة السورية بالقتل، وتلوّح بـ«اقتراب عودة الخلافة».