دفعة إضافية خرجت يوم أمس من الجيب الأخير الذي يسيطر عليه مقاتلو تنظيم «داعش» في شرقيّ الفرات. عشرات الشاحنات التي تقلّ رجالاً ونساء وأطفالاً شوهدت وهي تغادر الجيب المحاصر، برفقة مقاتلين تابعين لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، التي دعت الصحافيين إلى تغطية خروج القافلة. وبينما أعلنت «قسد» إجلاء دفعة جديدة من «المدنيين» من المنطقة المحاصرة، أفادت معلومات ميدانية بأن عدداً من مقاتلي التنظيم غادروا هم أيضاً على متن الشاحنات التي توجّهت إلى حقل العمر النفطي. كذلك أشارت المعلومات إلى أن طائرات مسيّرة، تابعة لـ«التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، راقبت عملية دخول الشاحنات إلى منطقة سيطرة «داعش» وخروجها منها. ومع تتابع المؤشرات على وجود مفاوضات أفضت إلى توافقات سرية بين الأطراف الثلاثة المعنية بأرض المعركة (الأميركيون و«قسد» و«داعش»)، يظهر أن عدداً كبيراً من مقاتلي التنظيم قرروا الاستسلام والخروج من الجيب المحاصر، لكنّ آخرين آثروا البقاء في البلدة الصغيرة المحاصَرة، ما يشي بإمكانية حدوث استئناف وشيك للعملية العسكرية المجمّدة حالياً، بعد إتمام المفاوضات والاتفاقات.
أكدت واشنطن وجود اتصالات فعالة مع أنقرة بخصوص الشأن السوري

والأكيد أن السيطرة على الجيب الأخير لـ«داعش» ستُدخل الحرب السورية المستمرة منذ ثماني سنوات مرحلة جديدة، لِما يحمله طَور ما بعد «داعش» من استحقاقات مصيرية في منطقة شرقيّ الفرات. وبعدما تعهد الرئيس الأميركي بسحب قواته «في وقت قريب جداً»، يسعى «التحالف» بقيادة واشنطن إلى إعلان الانتصار على «داعش»، وذلك من أجل القول إن هدف وجود القوات قد أُنجز، وإن وقت الانسحاب قد حان. والانسحاب هنا يعني ترك «قسد» في مواجهة مصير غير معلوم حتى اليوم، في ظلّ عدم التوصل إلى اتفاق أو رؤية واضحة بين الأطراف المعنية بالمنطقة. وبينما تتمسّك دمشق بموقفها المعلن في شأن شرقيّ الفرات، والمستند إلى حق الدولة في السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما فيها منطقة سيطرة «قسد»، تظهر المواقف الأميركية والتركية والروسية ثابتة أيضاً بهذا الخصوص، من دون تغيّر يذكر، ما يدلّ على تعقّد الأمور أكثر في المرحلة المقبلة.
وزارة الخارجية الأميركية أكدت أن واشنطن ملتزمة قرار الانسحاب، مشيرة إلى أن هناك «مباحثات تجري حالياً مع تركيا بشكل فعّال، من أجل إقامة منطقة آمنة في سوريا». جاء ذلك في تصريحات أدلى بها المتحدث باسم الخارجية، روبرت بالادينو، في موجز صحفي ليل الثلاثاء ــ الأربعاء، قيَّم خلاله عملية الانسحاب من سوريا، والاتصالات القائمة مع تركيا في هذا الخصوص. وأشار المتحدث إلى «وجود اتصالات فعالة مع تركيا بخصوص الشأن السوري، وجزء من هذه الاتصالات خاص بتحقيق الانسحاب الآمن لقواتنا من هناك، وتحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا». وأكد أيضاً أن واشنطن تأخذ على محمل الجد المخاوف الأمنية لدى أنقرة، مضيفاً: «نحن نضع هذه المخاوف في الحسبان، كذلك فإننا نجري تنسيقاً مشتركاً فيما بيننا، لكن لا يمكنني الحديث عن تفاصيل ملموسة في هذا الشأن».
وفي المقابل، أكد وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، أن بلاده ستقوم بما يجب من أجل «تطهير» شرقيّ الفرات من التنظيمات الكردية. وفي كلمة له يوم أمس، لفت إلى أن بلاده تعمل على «التنسيق مع بعض البلدان الغربية وروسيا وإيران والولايات المتحدة بخصوص انسحاب الأخيرة من سوريا». بدوره، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار: «(إننا) سنُنهي التهديد المُوجّه ضد بلدنا وحدودنا وشعبنا من قِبَل التنظيمات الكردية، عندما يأتي الزمان والمكان المناسبان».