كشفت إسرائيل ما قالت إنه اقتراح روسي يهدف إلى رفع جزئي للعقوبات الأميركية عن إيران، مقابل انسحاب قواتها من سوريا. الاقتراح الذي أكدته موسكو في سياق نفيه أمس، لم تنفه أيضاً الإدارة الأميركية التي شددت في ردها على أنها لن تزود الإعلام بتفاصيل محتوى المحادثات الدبلوماسية إزاء الحل السياسي في سوريا. كشف الاقتراح الروسي ورد على لسان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن التابعة «للكنيست» الاثنين الماضي، أشار فيه إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة تلقتا اقتراحاً من روسيا تمحور حول فكرة إخراج إيران من سوريا وامتناعها عن التمركز العسكري فيها، مقابل تخفيف العقوبات الأميركية عليها. وذكرت القناة العاشرة العبرية بالتزامن مع موقع «اكسيوس» الأميركي، هذه التسريبات نقلاً عن أعضاء اللجنة، الذين نقلوا عن نتنياهو تفاؤله حول لقاءاته الأخيرة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمبعوث الاميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري، رغم تشديده على أن الاقتراح الروسي كان فكرة، وأن إسرائيل لم تحدد بعد موقفها منها.
روسيا عبر نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، أشار في رد أمس إلى أنه غير قادر على تأكيد المعطيات الواردة في الإعلام الأميركي (موقع «اكسيوس»)، بشأن اقتراح مقايضة روسي وصل إلى الولايات المتحدة حول الوجود العسكري الإيراني في سوريا مقابل رفع العقوبات عنها، وأضاف: «كان لدينا اتصالات وأفكار طرحت على طاولة البحث، قد تكون قريبة من هذه، لكنها لم تستكمل».
في خلفية «الاقتراح» الروسي وتسريبه إسرائيلياً خلفيات ودلالات: لا يتعلق «الكشف» الإسرائيلي عن صفقة مبلورة بينها والولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة ثانية. الكشف كما يرد يتمحور حول أفكار جرى تداولها ضمن مداولات وأفكار أخرى بين الأطراف للبحث عن حل تسووي يبدو أن روسيا معنية به، كبديل من حلول عسكرية لا تريدها، وثبتت محدودية جدواها في الوقت نفسه من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.
الواضح أن اقتراح «المقايضة» الروسي طرح على طاولة البحث مع الجانب الأميركي ضمن «أفكار» أخرى في المداولات الجارية في الغرف المغلقة بين الأطراف التي تسعى إلى المقايضات في الساحة السورية، وفي المقدمة الولايات المتحدة التي ربطت وجودها العسكري وانسحابها من سوريا بانسحاب إيران منها. من جهة روسيا، الاقتراح مدخل معقول إن كان مقدمة أو جزء من حل سياسي للحرب السورية يشمل تنازلاً أميركياً واقراراً بسلّة مصالح روسيا في سوريا، خاصة أن «الاقتراح» من جهتها مبني على ما قد تراه، مع حسن ظن، على «فائدة اقتصادية» لإيران مع اتاحة الفرصة لها لقرار إرادي ذاتي لا يفرض الخروج عليها فرضاً من سوريا.
من ناحية إسرائيل والولايات المتحدة، يُعَدّ الاقتراح أكثر من مقبول في حال بلورته فعلياً، إذ إنه يستند إلى مدخل ربط بين تقليص العقوبات وملفات خارج إطار الملف النووي، بما بات يسمى أميركياً تمددَ النفوذ الإيراني في المنطقة ومطلب إيقاف قدرات إيران التصنيعية العسكرية وغيرها. الأمر الذي يعني تحقق أول الأهداف التي سعت إليها الإدارة الأميركية وتل أبيب جراء الانسحاب من الاتفاق النووي، وإن جاءت المفاوضات الجديدة بمسمى مقايضة لا إعادة تفاوض.
في مقلب آخر، وعلى نقيض الانطباع الأولي الذي أريد تشكله في إسرائيل جراء تسريب الاقتراح الروسي، وتحديداً توظيفه في السياسة الداخلية بوصفه نجاحاً لسياسات نتنياهو، إلا أنه في الواقع إقرار عملي إسرائيلي بالفشل في إخراج إيران من سوريا ومنع «تمركزها العسكري» فيها عبر فرض الخطوط الحمر الشهيرة، سواء عبر تقييد و/أو لا جدوى، الخيارات والضربات العسكرية على اختلافها.
ما كانت إسرائيل ولا الولايات المتحدة لترضيا أو حتى تتداولا اقتراح ربط تقليص العقوبات بخروج إرادي إيراني من سوريا، إن كانتا قادرتين عملياً على تحقيق ذلك بالفرض العسكري والضغوط الميدانية. وهو ما كان سيفتح شهية الجانبين على مطالب ما بعد الساحة السورية، وصولاً إلى طلب تغيير النظام الإيراني نفسه. هذا تحديداً الهدف الرئيسي من انسحاب الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران.
اقتراح «المقايضة» طرح مع الجانب الأميركي ضمن «أفكار» في المداولات الجارية


يصعب التصور أن روسيا تسعى لتحقيق أهداف الأميركيين والإسرائيليين ضد الحليف الإيراني، وان كانت موسكو قد ظهرت، بعد الكشف عن الاقتراح، بموقف غير سوي في مداولات تحت الطاولة لا تتساوق مع مصلحة الدولة السورية وحليفها الإيراني. في الرد الروسي، الذي أريد له أن يكون نفياً، تأكيد لحرص روسيا على مصالح إسرائيل، وهو معطى يدعو إلى القلق أكثر من جانب حلفائها المباشرين في سوريا، رغم كل التطورات الأخيرة وتعقّد العلاقات بين موسكو وتل أبيب بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في أيلول الماضي.
في المحصلة، الاقتراح الذي يقدّر مع أرجحية مرتفعة ألّا يلقى قبولاً في دمشق وطهران، وأيضاً بالتبعية اللاحقة رفضاً تراجعياً روسياً، يدل على فشل المقاربات الإسرائيلية الأميركية في الضغط على إيران وسوريا عسكرياً وأمنياً ودفعهما إلى التراجع، الأمر الذي استتبع من واشنطن وتل أبيب الانتقال من دائرة الضغط والتهديد والأعمال العسكرية المباشرة التي قادتها إسرائيل في السنوات الماضية، إلى دائرة الإغراء والوعد بالفوائد، من خلال تقليص العقوبات التي تدرك طهران، للمفارقة، أن نتيجتها أسوأ بكثير من أي خيار عسكري مقابل. في ذلك، يبدو أن الجانب الروسي أخطأ التقدير وتسرع في خطواته من دون دراسة مستفيضة للممكن واللاممكن، في الساحة السورية.