بينما تخوض أنقرة تحدياً أمنياً جديداً في عفرين جراء سلوك الميليشيات التي تتقاتل على نهب المنطقة تحت مظلّتها، لم تخفف من كثافة تصريحاتها في شأن شرق الفرات، وعلاقة شريكتها واشنطن بـ«وحدات حماية الشعب» الكردية. صراعات النفوذ الداخلية بين الفصائل التي زجّتها أنقرة في عملية «غصن الزيتون» لاحتلال عفرين، أعادت الاشتباكات إلى أحياء المدينة، تحت شعار «ملاحقة مجموعات من العصابات الخارجة عن القانون»، وأودت بحياة عدد كبير من المسلحين خلال الأيام القليلة الماضية. ورغم القلاقل الأمنية التي تعانيها المناطق التي احتلتها تركيا في ريف حلب الشمالي، تبدو عين أنقرة شاخصة نحو «الوحدات» الكردية في ريفي الرقة والحسكة، على حد ما تشير إليه تصريحات مسؤوليها. إذ لم يخفف الهدوء النسبي على طول الحدود السورية ــــ التركية، بمبادرة ورعاية أميركية، من تركيز تركيا المتواصل على ضرورة تخلي واشنطن عن حلفها مع الأكراد في الشمال السوري. المطلب التركي الصريح، ورد أمس على لسان وزير الدفاع خلوصي أكار، خلال لقائه رئيس الأركان الأميركي جوزيف دانفورد، في كندا. كذلك، قال أكار في كلمة على هامش منتدى «هاليفاكس» للأمن الدولي، المقام في كندا، إن «مسألة (الوحدات الكردية) مهمة جداً بالنسبة إلينا، وإن أصدقاءنا الأميركيين يجدون بعض الصعوبة في فهم موقفنا في هذا الشأن، فنحن نقول إنه لا فرق بين التنظيمات الإرهابية». وكرر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بدوره، حديث أكار، معتبراً خلال زيارة رسمية للولايات المتحدة الأميركية، أن اعتبار الأخيرة تعاونها مع «الوحدات» ضرورياً «على الرغم من معرفة أن (الوحدات) هي نفس المنظمة (حزب العمال الكردستاني) هو فعلا خطأ كبير». ولفت إلى أنه سيناقش هذا الملف وغيره مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، غداً، موضحاً أن خريطة الطريق التي تم التفاهم عليها في منبج، تشمل أيضاً مناطق شرق نهر الفرات. وأكد أن استقرار علاقة بلاده مع الولايات المتحدة «على أرضية سليمة» رهن إحراز تقدم في تلك المنطقة.ووسط الهدوء الحذر الذي تشهده مناطق الحدود السورية ــــ التركية، يتابع «التحالف الدولي» استهدافه مناطق سيطرة «داعش» في محيط بلدة هجين شرقي الفرات، مسبباً خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. ورغم إنكار «التحالف» مسؤوليته عن مصرع العشرات إثر غارات جوية وقصف مدفعي، يؤكد المتحدث باسم «التحالف» شون راين، لوكالة «فرانس برس» أن ما يزيد من صعوبة العمليات العسكرية «هو استخدام التنظيم في أماكن مثل هجين المدنيين كدروع بشرية». ولم يحقق «التحالف» و«قوات سوريا الديموقراطية» العاملة تحت مظلته الجوية والمدفعية، أي تقدم لافت ضد «داعش» في هذا الجيب، برغم القصف المتواصل. وعلى العكس، لم تتوقف هجمات التنظيم على مواقع قريبة من الحقول النفطية المحاذية لجيب هجين، خلال الأيام القليلة الماضية. كما امتدت هجمات «داعش» عبر نهر الفرات، باتجاه مواقع تمركز الجيش السوري وحلفائه قرب البوكمال. وجاءت تلك الهجمات بالتوازي مع فرار أعداد من عناصر «داعش» إلى عمق البادية في ريفي دمشق وحمص، إثر تكثيف الجيش السوري عملياته العسكرية في بادية السويداء الشرقية، ولا سيما في منطقة تلول الصفا. فبعد أيام من القصف المتواصل على مواقع التنظيم هناك، وتوقف العمليات العسكرية بسبب الظروف الجوية، شن الجيش هجوماً عنيفاً باتجاه تلول الصفا، مكّنه من السيطرة على معظم المناطق التي كانت تخضع لـ«داعش».
وفي موازاة هذه التطورات، ينتظر اليوم أن يعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة خاصة بالملف السوري، على أن تتخللها إحاطة من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، حول حصيلة جهوده الفترة الماضية في شأن تشكيل «اللجنة الدستورية». ويحتمل أن تكون هذه الرسالة التي ستنقل عبر الفيديو لأعضاء المجلس، الأخيرة لدي ميستورا، الذي يفترض أن يسلّم المهمة لخلفه النروجي غير بيدرسن، قبيل نهاية العام الجاري. وكان دي ميستورا يأمل دفع مسار تشكيل اللجنة قبل رحيله عن منصبه، غير أنه واجه اعتراضاً من دمشق على آلية تسمية الثلث الثالث من أعضاء اللجنة، خلال زيارته الأخيرة لسوريا.