لم تؤثر بعض خروقات الهدنة المفروضة بموجب «اتفاق سوتشي» ولا التنفيذ غير الكامل للبندين الخاصين بسحب السلاح الثقيل والتنظيمات «الإرهابية» من المنطقة «منزوعة السلاح»، في الإرادة المشتركة الروسية ــــ التركية لتحييد احتمال التصعيد على الأرض، بما يمنع تأثيره على باقي المسارات داخل الملف السوري. فالحفاظ على التهدئة يضمن دفعاً مهماً لمسار «التسوية السياسية» ضمن إطار «اللجنة الدستورية»، ويعزز الجهود الروسية في مبادرة إعادة اللاجئين والتحشيد السياسي ــــ الاقتصادي لإعادة الإعمار. وبرغم العقبات التي حالت ــــ حتى الآن ــــ دون التوافق على تشكيلة «اللجنة الدستورية» وإطلاق عملها، فإن رهان روسيا على نفوذ تركيا وحجم تأثيرها على إرادة الجانب المعارض، يحفّز نشاط مسؤوليها في هذا الشأن. ومع استعداد موسكو لاستقبال وفد من «هيئة التفاوض» المعارضة وتلبية دعوة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا للقاء في جنيف، وصل أمس وفد دبلوماسي روسي رفيع المستوى إلى دمشق، لنقاش عدد من الملفات، على رأسها ملفا «اللجنة الدستورية» وعودة اللاجئين. الوفد الذي يرأسه المبعوث الرئاسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، ويضم نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، كان قد انتهى (قبل وصوله) من جولة على عدد من دول الخليج العربي، شملت كلاً من السعودية وقطر والإمارات وعمان (وفق ما أعلن)، حيث التقى بعض كبار مسؤولي تلك الدول.
تستضيف تركيا «قمة رباعية» حول سوريا أواخر الشهر الجاري

وبينما استقبل الرئيس بشار الأسد، الوفد الروسي، بحضور مدير مكتب الأمن الوطني علي مملوك، كان لافتاً في هذه الجولة الروسية أنها شملت لقاءات مع مسؤولين أمنيين، لا دبلوماسيين فقط، بينهم رئيس الاستخبارات السعودية العامة خالد الحميدان. كذلك لم يخرج أي حديث رسمي عن زيارة الوفد للإمارات، برغم تأكيدها من قبل أوساط إعلامية روسية، فيما تزامن وصول لافرينتييف والوفد المرافق إلى عمان، مع استقبالها كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري. وخلال لقائه الأسد، أشار لافرينتييف إلى أن «إيجابية موقف دمشق» في ملف «اللجنة الدستورية» تساعد على «سحب الذرائع من بعض الدول» التي تحمّل الجانب الحكومي مسؤولية عرقلة المسار السياسي. وفي هذا الشأن، اعتبر الرئيس السوري أن التدخل والضغوط التي تمارسها دول إقليمية وغربية هو ما يعيق إحراز تقدم، مشدداً على تمسك بلاده «بعدم السماح لأي طرف خارجي بالتدخل في شؤونها الداخلية».
هذا الحراك الدبلوماسي الروسي النشيط يستبق استحقاقين مهمين، هما القمة الرباعية المرتقبة في اسطنبول والجولة «الأخيرة» التي يقودها دي ميستورا على خط تأليف «اللجنة الدستورية». فبعد تأجيل وتعثّر منذ تموز الماضي، أعلنت تركيا مجدداً أنها بصدد استضافة قمة رباعية، في السابع والعشرين من الشهر الجاري، يحضرها إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وأوضح المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالن، أن القمة ستركّز على الوضع في إدلب و«العملية السياسية». وتساوق البيانان الرسميان الصادران عن باريس وبرلين في شأن القمة، مع الإعلان التركي، فيما أكد «الكرملين» أنها ستتناول سبل «دفع عملية التسوية السياسية... والإجراءات الكفيلة بتعزيز الأمن والاستقرار وتوفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين». وبغياب موقف أميركي ــــ حتى الآن ــــ من هذه القمة، يبرز تباين في الأهداف المعلنة من قبل أطرافها، حول ملف إعادة اللاجئين، الذي تعمل روسيا بقوة لتحريكه ضمن آليات تعاون دولي واسع. وينتظر أن يعمل الجانب الروسي على استغلال القمة لاستكمال الجهود التي كان قد بدأها قبلاً مع عدد كبير من الدول، في ملف اللاجئين وإعادة الإعمار. وفي سياق متصل، التقى نائب مديرية التعاون الدولي في وزارة الدفاع الروسية، يفغيني إلين، مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمين عوض. ووفق بيان وزارة الدفاع، تم إطلاع الوفد الأممي على الخطوات الروسية لتأمين «ظروف مناسبة لعودة اللاجئين» إلى سوريا.