اللاذقية | مع بدء تطبيق تجربة «البطاقة الذكية» في الساحل السوري، ظهر العديد من السلبيات في وقت «قاتل» من الناحية السياحية، جعلت الاستبشار بدخول السوريين عالم التنظيم الرقمي المريح يتلاشى سريعاً. تعميم التجربة على جميع المحافظات متوقع، وفق ضوابط مدروسة، غير أن التطبيق على مدار اليومين الأوّلين خيّب الآمال. يعتبر كثيرون أن المشكلة تكمن في التوقيت الذي لا يحتمل تجارب ومحاولات، بل يفرض تطبيق قرارات حاسمة ومريحة، بما يكفل انقضاء الموسم السياحي بسلام. أما أن يبدأ التطبيق قبل العطلة المطوّلة التي منحتها رئاسة مجلس الوزراء للموظفين الحكوميين، والتي تصل إلى 9 أيام، بينها عطلة عيد الأضحى، فقد حُكم على تجربة البطاقة الذكية بالإعدام الشعبي. شركة «تكامل» الخاصة المنفّذة للمشروع علّلت الأمر بأن التطبيق في هذا التوقيت ضمن توافر الوقود في اللاذقية وطرطوس، بما ينهي أي ازدحام متوقع قد تشهده المدينتان خلال عطلة العيد. ردّ الشركة لم يكن لينفع كثيراً، وسط إلغاء العديد من الحجوزات إلى الساحل السوري، أو تأخيرها ريثما يتبين أصحابها الوضع الحقيقي لتعبئة الوقود. بدأت قصة أهالي محافظة اللاذقية مع «البطاقة الذكية» منذ الشتاء الفائت. شائعات عديدة تم تناقلها بشكل مبهم، عن «بطاقة يتم التسجيل عليها في مراكز حكومية، وستتم عبرها جميع العمليات الخدمية، التي تقدمها الدولة السورية لمواطنيها، وأبرزها تعبئة الوقود بالسعر المدعوم حكومياً». غير أن الشائعات تضمنت قراراً من المحافظ يقضي بحرمان الموظفين الحكوميين من رواتبهم الشهرية في حال عدم التسجيل للحصول على البطاقة، إضافة إلى نشر شبكات التواصل الاجتماعي صوراً عن هذا القرار معلقة على جدران مديريات عدة، من غير ختم المحافظ. وعليه، شهدت المراكز المستحدثة في المدينة لأجل هذا الغرض ازدحاماً بغيضاً، قبل أن تنفي مصادر في المحافظة إصدار المحافظ قرار دفع رواتب الموظفين مشروطاً بالتسجيل على البطاقة الذكية. معظم من سجّل لنيل البطاقة لم يفهم شيئاً عنها، فاستعاض عن عدم فهمه بالسخط على الحكومة. ندوات قليلة على القنوات التلفزيونية الرسمية، وعلى صفحات «فايسبوك» رسمية أيضاً، حاولت شرح الفكرة للشعب الذي لم تتح له فرصة استيعاب حكاية البطاقة و«ذكائها». وأثبت ذلك أن التسويق للعملية لم يكن كافياً.
لم يقدم أي شرح رسمي واف حول «البطاقة الذكية» واستعمالها

فأن يذهب المواطن حاملاً دفتر العائلة وصوراً عن هويات أولاده وزوجته المسجّلين على خانته، ويعود بعد تسليم الأوراق اللازمة، لا يعني أنه يعرف إلى أين ستنتهي به الحكاية. لا لوحات إعلانية في محطات الوقود، ولا ملصقات على جدران المنشآت الحكومية. التسويق الوحيد تصريحات لمسؤولين محليين لهذه الصفحة «الفايسبوكية» أو تلك، تخلو من الشرح اللازم لفهم العملية المقدمة عليها الحكومة. لم يعرف المواطنون مثلاً أن «البطاقة الذكية» ستكون قريباً ضرورة بالنسبة إلى العائلة السورية، وفق المخطط الحكومي، إذ سيتم عبرها توزيع مخصصات مادة مازوت التدفئة التي تبلغ 400 ليتر بسعر مدعوم حكومياً. كما ستقدم عبرها أكثر من 20 خدمة لاحقة سيكشف عنها تباعاً. وكان محافظ اللاذقية إبراهيم خضر السالم قد كشف عن تشكيل لجنة في المحافظة مهمتها الإشراف الميداني على حسن تطبيق التجربة. ويتألف أعضاء اللجنة من جميع الجهات المشتركة التي تمخّض عنها هذا المشروع، وهي: «سادكوب» ومجلس المحافظة وحماية المستهلك، إضافة إلى شركة «تكامل» الخاصة، بوصفها الشركة المنفّذة. وفي ما يتعلق بكمية الاستهلاك المحددة لكل سيارة، فإن 60 ليتراً أسبوعياً للسيارات السياحية، و150 ليتراً للسيارات العامة، بدا عادلاً للوهلة الأولى، ولا سيما أن المحافظ أكد أن «ضبط قطاع المحروقات وفق عمل البطاقة الذكية لن يكون على حساب حاجة المواطن الفعلية»، مشيراً إلى أنه «لا قاعدة ثابتة، وأن الحاجة الفعلية تجعل كل شيء قابلاً للتعديل». لكن للمواطنين آراء أُخرى ومتناقضة في ما بينها، غير أنها تُجمع على سوء التطبيق. فمنهم من تندّر بتوقعات عن فرض الحكومة على الشعب اختصار وجبات الطعام الثلاث بوجبة واحدة للغداء، أسوة بما فعلته لتحديد مخصصات الوقود لكل سيارة. وآخرون اعترضوا على تدخل الحكومة بتحديد المسافة التي يقطعها المواطن بسيارته السياحية، في تجاهل واضح لتوصيفها السياحي وحرية صاحبها في تعبئتها بما يشاء من الوقود. بينما تساءل كثيرون عن آليات منع التهريب والاحتكار، وهو الهدف المعلن من وجود «البطاقة الذكية»، في حال الحاجة إلى الوقود الحُر، لزيادة المخصصات، وسط حالة التخبط الشعبي الحاصلة. مسؤولون في المحافظة لفتوا إلى أن صيغة العمل النهائية ستحدد لاحقاً، خلال مرحلة ما بعد التطبيق التجريبي للعمل، وفي ذلك الحين سيتم تحديد سعرين للوقود أحدهما مدعوم حكومياً، والآخر حُر. وتدعم الحكومة السورية مادة الوقود من خلال بيعها بسعر 225 ليرة لليتر الواحد، أي حوالى نصف دولار أميركي، بينما وصل سعر الوقود الحُر منذ اليوم الأول لتطبيق العمل وفق البطاقة الذكية إلى 290 ليرة، ليتزايد تلقائياً.ومن الحلول التي وضعتها المحافظة وشركاؤها في المشروع للسيارات التي لا يحمل أصحابها بطاقة ذكية، ومن بينها السيارات الوافدة إلى الساحل السوري خلال عطلة العيد، طلب بطاقة «الماستر» الموجودة في جميع المحطات والتي تزودهم بكميات الوقود المطلوبة. فبطاقة «الماستر» تسمح بتعبئة خزان السيارة 40 ليتراً كحد أقصى في اليوم الواحد، فيما يبلغ أقصى حجم للبطاقة الذكية 50 ليتراً في اليوم الواحد، إضافة إلى 7 ليترات في اليوم الواحد للدراجات النارية المرخصة. هذه الحلول لم ترُق المواطنين الذين وقعوا تحت رحمة أصحاب المحطات وعمالهم، ما اضطرهم إلى دفع رشى لتعبئة ما يشاؤون من وقود لسياراتهم. وعلى اعتبار أن بطاقة «الماستر» تأتي بمثابة حل مؤقت لمن لا يحمل «بطاقة ذكية»، ريثما تنتهي المهلة المبدئية للحصول عليها حتى آخر الشهر الحالي، فإن تقييم التجربة من قبل مخططيها يبدو أمراً ملحّاً، بصرف النظر عن مهلة التطبيق التجريبية التي لم تحدد أساساً. زيارة وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم إلى الساحل السوري للاطلاع على تطبيق التجربة أفضت إلى تصريح جديد لمحافظ اللاذقية يلفت فيه إلى أن «الثغر التي نتجت عن تطبيق مشروع البطاقة الذكية ليست إلا حالات فردية تجري دراستها وعلاجها»، واعداً بأن «الرد سيكون حاسماً ضد كل خطأ يرتكبه المتلاعبون بالمادة». التصريحات لم تلق الرضى في نفوس كثيرين، في ظل تسجيل حالات خطأ متكررة خلال استعمال البطاقة في المحطات، إضافة إلى مشادات في مراكز التسجيل على البطاقة في عدة مدن ساحلية، بسبب سوء الخدمة. ووصل التلاعب إلى العدادات أيضاً، إذ ارتكبت مخالفات عدة في هذا السياق، يضاف إليها التلاعب بالأسعار والتوزيع.