في البدء كان «الإخوان المسلمون». في مطلع عام 2011 اتّخذ التنظيم السوري لـ«الجماعة» قراراً بإنهاء العمل بتعليق النشاط السياسي. في نهاية كانون الثاني 2011 أصدر «إخوان سوريا» بياناً بعنوان «الشام على خطى الحرية»، وكان بمثابة تنفيذ لـ«تهديدات» إعلاميّة على لسان محمد رياض الشقفة قبل شهر قال فيها: «إذا استمر النظام في تجاهله لإرادة الشعب، فسنحرّض الشعب على المطالبة بحقوقه حتى يصل إلى مرحلة العصيان المدني».
حين دقّت نواقيس التسلّح من درعا إلى حمص وإدلب، سارعت «الجماعة» إلى دعم تشكيل «الكتائب» و«الألوية» و«السرايا». لم يستسغ المال الخليجي اللعبة وفق تلك القواعد، صعدَ السلفيّون ثم دخلوا مرحلة الانحدار، وما زالت «الجماعة» حاضرة. دخل تنظيم «القاعدة» المشهد السوري وهيمن عليه، ثم ها هو يبحث عن باب خلفي ينسحب عبره، وما زالت «الجماعة» حاضرة. بدّلت «جبهة النصرة» جلدها ومسمَّياتها مرات عدة، قبل أن يتنادى الجميع إلى إعلانها إرهابيّة أيّاً كان الرداء الذي ترتديه، و«الإخوان» يبتسمون. ملأ تنظيم «داعش» الدنيا وشغل الناس، رفرفت راياته السوداء في طول البلاد وعرضها وجرّب بالسوريين كلّ فنون القتل، ثم آذنت «شمس الخلافة» بالغياب، ولم تغب «الجماعة». عندَ كلّ منعطف ومفصل كانت جاهزةً لاستشعار الاتجاهات الجديدة وتوجيه البوصلة، قعقعة السلاح لم تُلهها عن «فنّ الممكن». شُكّلت هيئات وتجمّعات، ثم كان «مجلسٌ وطنيّ» فـ«ائتلاف» و«حكومة مؤقّتة»، ودائماً برضى «الجماعة» وبركاتها. في المال القطري كان لـ«الجماعة» نصيب، حين تحرّكت السعودية متأخرة لم يكن أمامها بُدّ من الدخول عبر البوابة التركية، ونالت «الجماعة» من «الحبّ جانباً». في الجوهر، ما كانَ لأحدٍ في «الخندق المعارض» أن يتخطّى أنقرة، وهذا من حسن حظ «الجماعة». اليوم، تنشغل الرياض والدوحة بـ«أزمتهما» وتصول أنقرة وتجول. تُبرم اتفاقاً هنا، وتفتّش عن صفقة هناك. يحتلّ جيشها مدناً ومناطق بيُسر وتُرفرف أعلامُها فوق مشافٍ ومدارس و«مؤسّسات»، فيما تدرس «أفضل العروض والخيارات» للهيمنة على ما أمكنها من إدلب، و«الجماعة» تتهيّأ لقطف ما «تيسّر».