استطاع الجيش السوري وأبناء المحافظات الجنوبية امتصاص المعركة التي افتتحها مسلحو المعارضة السورية وتنظيم «القاعدة» في الجبهة الجنوبية، بدءاً من الهجوم على مطار الثعلة قبل نحو 3 أسابيع، في محاولة لتعميم إنجازات الشمال على الجنوب السوري، على غرار نموذج إدلب.
وبدل أن يتمكّن الإرهابيون العاملون ضمن أجندة «غرفة العمليات الأردنية (الموك)» و«القاعدة» من تحقيق السيطرة على مطار الثعلة في السويداء، واستخدام «نصرهم» لإسقاط مدينة درعا وخان أرنبة وحضر في القنيطرة، لتحقيق اندفاعة عسكرية وسياسية تحضيراً لهجوم مستقبلي على مدينة دمشق، جاءت هزيمة الثعلة لتقلب الآية، وتعكس صموداً والتحاماً بين الجيش والأهالي في السويداء ودرعا وخان أرنبة وحضر. ولم يكتف الجيش بالصمود، بل تابع توجيه الضربات «خلف خطوط العدو» عبر القصف الدقيق لتجمّعات المسلحين وخطوط إمدادهم وغرف عملياتهم. إذ لم تكمل عملية «عاصفة الجنوب» التي أطلقتها غرفة العمليات الأردنية «موك» في محافظة درعا يومها الرابع حتى بدأ عقدها بالانفراط. العملية التي حدّدت أول أهدافها بالسيطرة على مدينة درعا، بمشاركة نحو 34 فصيلاً مسلحاً، يتوزع ما بين «الجيش الحر» وتنظيم «القاعدة»، اصطدمت في أول أيامها بعقبة تصدي الجيش السوري مدعوماً بالأهالي لهجماتها على المدينة من 7 محاور. وفشلت في الأيام الثلاثة التالية بالدخول إلى المدينة من جهة حي المنشية بعدما ركّزت هجماتها عليه. وانتهى المطاف بالجماعات المسلحة أول من أمس، بتلقيها ضربة موجعة من الجيش الذي استهدف اجتماعاً ضم قيادات تتبع لـ«الموك» في منطقة النعيمة في موقع سجن الغرز جنوبي شرقي المحافظة، ما أدى إلى مقتل 5 قادة بارزين في العملية وإصابة العشرات من الموجودين في الاجتماع، من بينهم شخصية عسكرية بارزة في «موك». وعلى خلفية تلك الضربة، تفجرت موجة من الخلافات بين فصائل «عاصفة الجنوب» أدت إلى انسحاب عدد من الفصائل من العملية.
وتشير مصادر متقاطعة لـ«الأخبار» إلى أن الحصيلة الأولية للضربة التي وجهها الجيش لاجتماع قادة «عاصفة الجنوب» والذي ضم فصائل «جبهة النصرة» و«حركة المثنى» و«ألوية العز» و«الجيش الحر»، هي مقتل 5 قادة معظمهم من «جبهة النصرة»، إضافة إلى إصابة العشرات من القادة الآخرين والمرافقين لهم، بعضهم جروحهم خطيرة. وتبادلت الفصائل الاتهامات حول المسؤولية عن تسريب موقع الاجتماع للجيش السوري، أثناء اجتماع آخر يوم أمس في غرفة العمليات الثانية، المسماة «إعصار»، في منطقة الصوامع جنوب درعا، حيث أعلن محمد جرجور نبراس تخليه عن إدارة «المركز الإعلامي» احتجاجاً على حادثة استهداف الموقع المذكور. فيما اتهم بعض المشاركين «لواء التحرير» بتنفيذ عملية استهداف غرفة العمليات الرئيسية لـ«عاصفة الجنوب» أول من أمس.

لم تكمل عملية
«عاصفة الجنوب» يومها الرابع حتى بدأ عقدها بالانفراط


كذلك أفادت مصادر محلية لـ«الأخبار» بأن أربع مجموعات مسلحة تابعة لـ«لواء المعتز» فرّت من منطقة النعيمة، (التي تلقى فيها اجتماع قادة «عاصفة الجنوب» الضربة)، إثر اندلاع اشتباكات بين المجموعات المسلحة. وذكرت المصادر أن «جبهة النصرة» تسعى إلى تشكيل «غرفة عمليات» جديدة، تضم إلى جانبها كلاً من «أحرار لشام» و«جند الملاحم» و«جماعة بيت المقدس»، وتهدف إلى السيطرة على مدينة درعا من محور المنشية باستخدام المفخخات. وأثناء اجتماع عقد بين تلك الفصائل لبحث التحضيرات لتشكيل الغرفة الجديدة، هاجم مسلحون من «لواء تحرير حوران»، بقيادة إبراهيم هيال، موقع الاجتماع، وحطموا سيارات المجتمعين وأطلقوا الرصاص، ما أسفر عن إصابة مسلح من «جيش المدفعية». وقامت إثر ذلك مجموعة من قادة الفصائل باحتواء الصراع واستصدار قرار من «القيادة المشتركة لفرقة 18 آذار» بعزل إبراهيم هيال (زعيم «لواء تحرير حوران») وتقديمه إلى القضاء بسبب «تصرفه غير اللائق والمخزي».
ميدانياً، وجه الجيش ضربة نوعية أخرى لتجمع من المسلحين في صيدا، شرقي درعا، أسفر عن مقتل نحو 30 مسلحاً، قسم كبير منهم من الأجانب (شيشانيون)، وجرح العشرات. فيما تواصلت الاشتباكات على محوري المنشية ودرعا البلد في مدينة درعا، حيث لقي أكثر من 30 مسلحاً حتفهم، معظمهم من «كتائب شهداء حوران». وقال مصدر عسكري لـ«الأخبار»: «يعتمد الجيش على المواجهات النوعية في الآونة الأخيرة، كتوجيه ضربات موجعة للمسلحين واستهداف مقارهم وتحركاتهم، يساعده في ذلك تعاون الأهالي في مدينة وريف درعا، الذين برز دورهم بنحو كبير في العديد من المعارك وخصوصاً في تلك التي جرت في المدينة». إلى ذلك، قتل عدد من المسلحين من بينهم محمد نور الحريري، الناطق الإعلامي باسم مسلحي بصر الحرير، إثر استهداف الجيش لمواقعهم في البلدة.
وفي ريف السويداء الغربي، تمكن الجيش من بسط سيطرته على تلة الشيخ حسين، جنوب غرب مطار الثعلة العسكري، بعد سلسلة مواجهات أسفرت عن مقتل وجرح عدد من المسلحين، وفرار عدد آخر باتجاه منطقة أم ولد في الريف الشرقي لدرعا. في وقت صد فيه الجيش والأهالي هجوماً لمسلحي «داعش» على خربة سعد باتجاه تل بثينة وقرية القصر، شمالي شرقي السويداء.
أما في القنيطرة، فقد قتل وجرح عدد من المسلحين إثر تصدي الجيش لهجوم لهم على طريق حضر ــ خان أرنبة، باتجاه جباتا الخشب في ريف القنيطرة الشمالي، كما صدّ الجيش هجوماً آخر للمسلحين على سرية 160 وسرية المشاة 120، الواقعتين بين حضر ومزرعة الأمل في ريف المحافظة. ودارت اشتباكات عنيفة في تلك المنطقة، تمكن خلالها الجيش من تدمير دبابة للمسلحين وقتل وجرح عدد منهم.
وفي الغوطة الشرقية لدمشق الشرقي، خرجت أول من أمس تظاهرة للأهالي في بلدة حمورية باتجاه منزل قائد «فيلق الرحمن» أبو النصر، ورفع المتظاهرون شعارات طالبت بفك الحصار عن المنطقة ومحاسبة المفسدين واللصوص والسماسرة فيها. في المقابل، أعطى أبو النصر أوامر لمسلحيه بإطلاق النار على المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل أحدهم وجرح عدد آخر. وعقب ذلك، دارت اشتباكات بين عدد من المسلحين المحليين وبين الحرس الشخصي لقائد «فيلق الرحمن» أدت إلى سقوطه أسيراً بأيدي المتظاهرين الذين سلّموه إلى «القضاء الموحد» بتهمة «إعطاء أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين»، ليقوم القضاء الموحد بإطلاق سراحه يوم أمس.