تزامنٌ لافتٌ بين تطوّرين بارزين كانت حلب مسرحاً لهما. المحافظة التي تشيرُ المعلومات، والمجريات إلى أنّها باتت ميداناً لجهود جدّيّة وخطوات متسارعةً على طريق «إعادة هيكلة» مجموعاتها المسلّحة («الأخبار»، العدد 2509) شهدت أخيراً توقيع اتّفاق أوّلي بين وحدات حماية الشعب «YPG» في عفرين (ريف حلب) و«الجبهة الشامية» يوحد «النظام القضائي»، أتبعته «الجبهة الشاميّة» بإعلان إنشاء «غرفة عمليات تحرير حلب» التي «تضمّ جميع الفصائل الثورية العاملة في محافظة حلب دون استثناء».
وإذا كان إنشاء «غرفة العمليات» ليس الحدث الأول من نوعه، فإن اتفاق «توحيد النظام القضائي» جاء مُفاجئاً، ومثيراً لإشارات استفهامٍ كثيرة حول دلالاته وعقابيله. وعلاوةً على أن مجرد توقيع اتفاق بين الطرفين في هذا التوقيت يحتمل الكثير من التفسيرات، فإن بنود الاتفاق المذكور تُعد في حدّ ذاتها حدثاً يستدعي التوقف عنده. ووفقاً لبيانٍ مشترك، فقد نص الاتفاق على «توحيد النظام القضائي بين الطرفين ليشمل كافة المحاكم، والحكم بشرع الله». الاتفاق نصّ أيضاً على «فتح مكاتب شرعية ودعوية ومتابعة شؤون المساجد، بما فيها إقامة صلوات الجمعة وخطبها في حلب ومنطقة عفرين وقراها»، كما على «ملاحقة المفسدين والمسيئين أينما كانوا لمحاسبتهم، لإعادة الحقوق لأهلها، وإعادة الأمن والأمان في المناطق المحررة على يد موقعي البيان». تعليق الطرفين على الاتفاق المذكور حمل تبايناً في التفسيرات، ما يجعلُ تحوّله من «أَوّلي» إلى «مُبرم» خاضعاً للاحتمالات. مصدر من «الجبهة الإسلاميّة» (من مكونات «الشاميّة») رأى أن الاتفاق «فتحٌ وتمكينٌ من الله لحكم الشرع». المصدر أكّد لـ«الأخبار» أنّ «المكاتب الشرعية والدعوية ستسدّ حاجة المسلمين في تلك المناطق إلى مرجعيّات دينيّة، وتُعيد الأمور إلى مسارها الصحيح». في الوقت ذاته، أكّد مصدر من «جيش المجاهدين» أنّ «الاتفاق يكتسب أهميّة ثوريّة استراتيجيّة». المصدر قال لـ «الأخبار» إنّ «الأرضية المشتركة الأساسيّة بين الطرفين اعتبار المناطق الخاضعة لهما مناطق محرّرة»، وأكّد في الوقت نفسه أنه «يُمثّل مقدمة لصفحة جديدة مع الإخوة الأكراد». بدوره، «رئيس هيئة الدفاع في المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية - مقاطعة عفرين» عبدو إبراهيم أكّد لمراسل «الأخبار» أيهم مرعي صحّة ما ورد في البيان المنشور، وأشار في الوقت نفسه إلى أنه «اتفاق مبدئي». إبراهيم أكّد أنّ «محكمة الشعب في المقاطعة، والهيئة الشرعية للجبهة الشامية، تدرسان بنوداً إضافية طرحتها الوحدات للموافقة النهائية على الاتفاق». ورداً على سؤال «الأخبار» عن الأسباب التي دفعت تياراً علمانيّاً كـ «وحدات حماية الشعب» إلى الاتفاق مع «جبهة إسلامية الصبغة»، وتضمّ مجموعات تسعى إلى «تحكيم الشريعة» (مثل الجبهة الإسلاميّة) أكد إبراهيم أن «الوحدات» تتعامل «مع واقع موجود متمثل بسيطرة الجبهة الشامية على مناطق في محيط المدينة»، مشيراً إلى «ضرورة وجود اتفاق ينظم حركة المواطنين في مناطق سيطرة الطرفين، ولا سيما أن الحركة كبيرة بين عفرين وأعزاز، إضافة إلى وجود آلية قضائية متفق عليها لضمان سير القانون على الجميع». وشدّد على أن «الاتفاق قضائي، ولا يوجد أي اتفاق على تعاون عسكري بين الطرفين»، وتوقّع «أن تتضح الصيغة النهائية للاتفاق يوم غد (اليوم).
مسؤول كردي: الاتفاق قضائي
وما من اتفاق على تعاون عسكري
وإذا لم يجرِ التوافق على جميع البنود فستُعدّ بنود الاتفاق المبدئي ملغاة». وفي انتظار جلاء مآلات الاتفاق، تبدو العلاقة بين الطرفين مفتوحةً على كل الاحتمالات. فمن شأن إبرامه قطعيّاً أن يضمن لـ«الشاميّة» موطئ قدمٍ داخل المناطق الكرديّة في ريف حلب. وفي هذا السياق لا يُمكن إغفال حالات سابقة في المشهد السوري أثبتت فيها «المكاتب الشرعيّة» أنّها لا تقلّ أهميةً عن النقاط العسكريّة، بل وتتفوق عليها في بعض الحالات، كما يفتحُ إبرام الاتفاق الباب أمام احتمال نشوء خلافات كرديّة ــ كرديّة، سواء داخل عفرين نفسها، أو بين مختلف المناطق. في الوقت نفسه، يبدو إلغاء الاتفاق بوّابةً مُحتملةً لمناصبة «الشاميّة» العداء للمناطق الكرديّة، بذريعة التراجع عنه و«منع رفع الأذان وإقامة الصلوات». برغم أن المؤشرات توحي برغبة «الشامية» ورعاتها في احتواء الأكراد، أقلّه على المدى المنظور. وتبدو «الجبهة الشامية» حريصةً على الظهور في مظهر «الجبهة الجامعة»، ومن شأن اتفاق من أي نوع مع الأكراد أن يمنحها مزايا عدة، من بينها الخروج من دائرة المجموعات «الجهادية التكفيريّة». وفي هذا السياق يُمكن إدراج حرص «الشاميّة» على إغفال تسمية المجموعات التي شكّلت أخيراً «غرفة عمليات تحرير حلب»، حيث خلا بيان تشكيلها المصوّر الذي قرأه عبد العزيز سلامة (قائد الشامية) من ذكر تفصيلي للمكونات (كما جرت العادة سابقاً). البيان اكتفى بالقول إن «الغرفة تضمّ جميع الفصائل الثورية العاملة في محافظة حلب دون استثناء». ومع الأخذ في عين الاعتبار أن معارك حلب الأخيرة تشهد تنسيقاً بين «الشاميّة»، و«جبهة أنصار الدين» (المكونة من مجموعات جهاديّة قاعديّة) يبدو حضور الأخيرة حتميّاً في «غرفة» كهذه، وخاصة أن سلامة أكّد «أن هذه الغرفة جاءت تعزيزاً للانتصارات التي حققها الثوار أخيراً في المحافظة»، وهي المعارك التي أدى فيها «جيش المهاجرين والأنصار» (أبرز مكونات أنصار الدين) دوراً أساسيّاً.

«النصرة»: توجّس وتأهّب

من جانبها، أوساط «جبهة النصرة» رأت في الاتفاق «جزءاً من المؤامرة على الجبهة». وحفلت المواقع والصفحات المحسوبة عليها بتعليقات سلبيّة، راوحت بين التوجس والتشكيك، وبين اعتبار الخطوة «تحركاً خبيثاً من الجبهة الشامية يرمي إلى قطع الطريق على النصرة التي كانت تخطط لمهاجمة عفرين». ورأى هذا الفريق أن الاتفاق «شبيه بحماية الشاميّة لكُفّار حركة حزم من النصرة». مصدرٌ محسوب على «النصرة» أكّد لـ «الأخبار» أنّ «جبهة حلب تشهد بعض التحركات المثيرة للريبة في الفترة الأخيرة، لكنّ الجبهة اعتادت التعامل مع جميع الفصائل من مبدأ حسن النيّات، من دون إغفال الحذر الواجب». المصدر أكّد في الوقت نفسه أنّ «استشعار أي تهديد حقيقي من جانب أي فصيلٍ سيستوجب الردّ المناسب والحازم فوراً، وهو ما نأمل من الله أن يُجنّبنا إيّاه».