القاهرة | في بداية عام 2011، انقلب الجميع على نظام الرئيس حسني مبارك، وثارت مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ولم يُحاكم أحد بتهمة قلب نظام الحكم. تجمّعت الغالبية ضد خلفه محمد مرسي، قبل أن يسقطه الجيش، مستغلاً تظاهرات شعبية ملأت الشوارع والميادين تطالب بإسقاط حكم الإخوان. سقط الرئيسان، وانقلب نظامهما، ووُضعا في السجون.
لكن لأنّ مصر هي بلد العجائب، فمن الطبيعي أن ترى من كانوا في الصفوف الأولى في ثوراتها يملأون سجونها الآن. التهم جاهزة: تكدير السلم العام، والاعتداء على عنصر أمن، وسرقة جهازه اللاسلكي، وخرق قانون التظاهر... هذه التهم وغيرها عوامل مشتركة في كل القضايا التي يُحاكم على أساسها شباب الثورة الآن.
لكن قضية محمد العراقي (22 سنة) ليست كأية قضية أخرى. العراقي محكوم عليه اليوم بتهمة مقاومة السلطات والسعي إلى قلب نظام الحكم (حكم محمد مرسي). رغم سقوط نظام مرسي، وإيداع كل رموزه داخل السجون، غير أنّ العراقي ينفّذ الآن حكماً صادراً بحقه بالسجن ثلاث سنوات، وينتظر القرار النهائي من محكمة النقض (أعلى سلطة قضائية) في أيّار (مايو) المقبل.
أجهزة الأمن في محافظة الشرقية ــ إحدى محافظات الدلتا ومسقط رأس مرسي ــ ألقت القبض عليه في آذار (مارس) 2013، أثناء تظاهره مع العشرات من الطلاب الجامعيين أمام منزل الرئيس المعزول، اعتراضاً على حكمه وجماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يُحكم عليه بالحبس.
ولأنّ العراقي واحد من مئات المقبوض عليهم، وليسوا من النشطاء المعروفين بالنسبة لوسائل الإعلام، فلا أحد كان يذكر قضيته، إلى أن قاد عدداً من الصحافيين أخيراً حملة تحث على التضامن معه، وتُطاب بتدخل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، واستخدام صلاحياته للعفو عنه. لكن يبدو ألا استجابة قريبة!
نظّم أصدقاء ورفاق العراقي في «حزب الكرامة» في الشرقية وقفات احتجاجية تطالب بالتدخل لإنقاذ رفيقهم من السجن، مشددين على أنّه كان يمارس حقه الطبيعي في التظاهر ضد حكم سلطة كان يراها ظالمة، ولم يسمع أحد لهم أيضاً. علماً بأنّ محمد العراقي هو أمين عام الشباب في الحزب المذكور في الشرقية.
على خط موازٍ، أرسلت أسرة العراقي خطابات واستغاثات إلى رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السابق عدلي منصور والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، تطالبهم فيها بسرعة الإفرج عن محمد، كون تهمته تنسحب على المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع والميادين في 30 حزيران (يونيو) وما بعده ولم يجر القبض على أحدهم واتهامه بقلب نظام الحكم.
دخلت والدة الشاب، فاطمة عبد الهادي، في إضراب عن الطعام أكثر من مرّة للإفراج عن نجلها، وأيضا لم يسمع لها أحد. طالبت الرئيس السيسي والنائب العام بالإفراج عن نجلها، لكنّ شيئاً لم يتغيّر حتى كتابة هذه السطور.
في فيديو شهير لها على موقع يوتيوب، تُخاطب الوالدة السيسي قائلة: «إبني بريء من القضايا اللي اتلفقت له يا ريّس، هو حب بلده زي ما إنت بتحبها، وعمل اللي إنت عملته، وهو الوقوف في وجه الإخوان وإسقاطهم. أنا كأم معنديش أي اعتراض على أحكام القضاء ومش بطالب بعدم تنفيذ الحكم، لكن أنا مش عايزة غير أن الرئيس والقضاة ينظروا لنا بعين الرأفة والإنسانية»، مؤكدة أنّها لا تريد سوى «وقف الحكم إلى حين النقض».
وتتابع الوالدة بلهجتها الريفية: «إبني معملش أي حاجة غلط، إبني عمل اللي عمله أكثر من 30 مليون مصري، وهو الهتاف بإسقاط حكم الإخوان»، مضيفةً: «يا ترى ذنب إبني إنّه حب بلده وأخلص لها. ذنبه إنّه مستحملش يشوفها بإيد ناس زي الإخوان اللي البلد متبهدلة بسببهم لحد النهاردة؟».
كل ما تتمناه فاطمة عبد الهادي هو أن يتحقّق المنطق، في بلد يبدو أنّه لا يعرف أصلاً معنى المنطق!