بدا جميلاً مشهد المسلمين من أبناء منطقة بنت جبيل وهم يتهافتون على المحال التجارية لابتياع أشجار الميلاد وهدايا العيد. نساء محجبات، وأحياناً رجال دين يقصدون محالّ بيع الزينة ويتبارون، ضمنياً، على شراء «أجمل شجرة» لكي ينعم أطفالهم بفرحة العيد، كما يحصل عادة في عيدي الفطر والأضحى. وعلى الرغم من أن أجواء ذكرى «أربعين الإمام الحسين»، الأشد إيلاماً وحزناً على أبناء الطائفة الشيعية، لم تنته بعد، فإن زينة عيد الميلاد علّقت على المحال التجارية وعلى مداخل العديد من المنازل.
في أحد مداخل بلدة تبنين وضعت البلدية شجرة ميلاد عملاقة، وغير بعيد عنها، عمد حسين حمود إلى تزيين مكتبته بشكل لافت ومميز، ونشر العديد من أشجار الميلاد أمامها، ما جعل المنطقة تعجّ بالزوار من الأطفال والكبار. يشير حمود إلى أن عشرات الزبائن يقصدونه يومياً بهدف تزيين منازلهم احتفاءً بعيد الميلاد، لافتاً إلى أن «هذه الظاهرة لم تعد غريبة منذ أكثر من عشر سنوات بسبب انتشار التعاليم الدينية التي تدعو إلى الانفتاح وتقبّل الآخر، وزيادة عدد المتعلمين والمغتربين الذين باتوا أكثر تحرّراً وإيماناً بأهمية اعتبار جميع المناسبات السعيدة فرصة لإسعاد الأطفال والانفتاح على الآخر».
أحد رجال الدين الشيعة الذي فضّل شراء شجرة ميلاد كبيرة قال: «هذا العيد لنا قبل المسيحيين أنفسهم، لأن تعاليمنا الدينية تدعو إلى الفرح والانفتاح»، لافتاً إلى أن «أطفالنا يختلطون مع أطفال المسيحيين ويحتفلون معاً بالأعياد المتعددة». ويشير حمود إلى أن «نحو 300 أسرة مسلمة حجزت هدايا العيد لكي نرسلها إلى أطفالهم بواسطة بابا نويل». ويذكر أنه عندما وصل منذ عامين رجال «بابا نويل» إلى بلدة مجدل سلم (مرجعيون) لتوزيع الهدايا على عدد من أطفال البلدة، التي يقصدها كل عام الآلاف من اللبنانيين لمشاهدة مسرحية «واقعة الطفّ» في العاشر من محرّم، تجمّع نساء البلدة حولهم وبدأوا بنثر الأرزّ والورود عليهم، ابتهاجاً، كما يحصل عادة عند زيارة الزعماء. ويذهب أحد تجار بلدة حاريص (بنت جبيل) إلى أنه «رغم إقامة عدد كبير من المسيحيين في المنطقة، فإن 90% من الزبائن الذين يشترون زينة عيد الميلاد هم من المسلمين، ما يدلّ على أن المسلمين يعتبرون المناسبة عيداً لهم أيضاً». وفيما يلفت إلى أنّ «للمدارس المختلطة دوراً كبيراً في نشر هذه الظاهرة»، يحذّر مما يحصل اليوم، وهو «لجوء وزارة التربية إلى الترخيص للعديد من المدارس والجامعات في معظم القرى، ما يؤدي إلى منع الطلاب المسلمين والمسيحيين من الاختلاط، وهذا أمر بعيد جداً عن التربية، وعلى الوزراة التنبه له».
ويرى خوري رعية بلدة تبنين، الأب سعيد أنطونيوس أن «عيد الميلاد يُسهم في تحقيق العيش المشترك في المنطقة، فالمسلمون لا يجاملوننا فقط في هذه المناسبة، بل يحتفلون مثلنا ويزيّنون منازلهم ويوزعون حلويات العيد، وهذا بعكس منطق التكفيريين الجدد الذين يدعون إلى نبذ الآخر». ويشير إلى أن «هذه المناسبة أصبحت جزءاً من عادات المسلمين وطقوسهم التي لا تتناقض مع معتقداتهم، كذلك فإن مسيحيي المنطقة يشاركون المسلمين في أعيادهم ومناسباتهم الدينية». وفي هذا السياق، يشير جورج توما، أحد المسيحيين في بلدة صفد البطيخ، إلى أن «مسيحيي المنطقة يلتزمون طقوس المسلمين أيضاً، ولا سيما في شهر رمضان، عندما يمتنعون عن الطعام والشراب في الأماكن العامة والمطاعم، ويعشقون السهرات الرمضانية وينتظرون حلول عيد الفطر بفارغ الصبر».
يذكر أنه في منطقة بنت جبيل أربع قرى تجمع المسلمين والمسيحيين معاً في أحيائها السكنية، فتتجاور المساجد مع الكنائس، وهي بلدات: صفد البطيخ، تبنين، يارون، وبرعشيت، لكنها تكشف تغيّراً كبيراً في الواقع الديموغرافي بسبب الهجرة «النهائية» الواسعة للمسيحيين منها، كان الوضع الاقتصادي الدافع الأساسي لها.