لا يكف البقاعيون عن تقصّي أحوال الطقس وما تخبّئ لهم سحب الأيام الشتائية القادمة. يكاد يكون ذلك الشغل الشاغل لهم. يرصدون نشرات مصلحة الأرصاد الجوية، وأخبار «المبوحرين» وحساباتهم، وحتى ما يشاع وتتناقله مواقع التواصل الاجتماعي عن عاصفة ثلجية تلوح في الأفق. في الأمر، ثمة ما يعنيهم. فالجميع يتوق إلى ما يمكن أن يبدّد الهواجس والمخاوف لديهم عن سنوات شتائية عجاف، قد تزيد من همومهم وأعبائهم ومشاكلهم الحياتية والزراعية. لا فرق عندهم إن كانت «ألكسا» أو «نانسي»، فما ينتظرونه ليس سوى «خميرة» الجبال والجرود من الغطاء الأبيض، الذي يرفد الآبار وخزانات المياه الجوفية، ويحمي مزروعات السهول والحقول من الآفات على اختلافها.
مشهد القلق لدى البقاعيين ارتسمت ملامحه بعدما ضنّ الشتاء الفائت، بثلوجه وأمطاره على قمم البقاع وجروده وسهوله، فظلّت رمادية شاحبة، وأورثت المنطقة مرارة العطش والحاجة إلى مياه الشفة والري، وما تبع ذلك من أعباء مرهقة على البقاعيين. «ما في بيت في قرى بعلبك إلا وكانت فاتورة الماء فيه تتجاوز الـ200 ألف ليرة»، بحسب ما يؤكد أحمد سماحة.
إزاء ذلك يتسلح الجميع بعبارة تكاد تكون الأمل الوحيد، «الله كريم وما بيترك حدا، وما عنده إلا الرحمة والخير» كما يقول أحمد السبلاني. ابن بلدة شمسطار يحاول بعباراته أن يبدد مخاوفه بالتأكيد أن الشتوية «بعد ما بلشت»، متكلاً على «فحول الشتا» أي شهري كانون الأول والثاني، لكنه سرعان ما يعود ليشير بإصبعه إلى قمم وجرود في سفوح السلسلتين الغربية والشرقية، ما زالت من دون ردائها الأبيض، ما خلا صنين والقرنة السوداء، «في مثل هذه الأيام يجب أن تكون هذه الجبال مقفلة بالثلج، صحيح أن لا أماكن للتزلج عندنا، ولكن أهل البقاع وحتى كسروان والعاقورة لا يشربون الماء إذا لم تكن الخميرة البيضاء على الجبال». يشرح الرجل السبعيني أن مصطلح «خميرة الجرود» يعود إلى أن «الشتوية حتى لو ارتفع معدل هطول الأمطار فيها، لا تغني عن ثلوج الجبال لأنها الوحيدة التي تغذي وترفد بالمياه الخزانات والآبار الجوفية، لتتفجر ينابيع وأنهاراً بدءاً من الربيع وطيلة فترة الصيف».
ندرة الأمطار والثلوج، تنسحب أيضاً مشاكل على المزارعين البقاعيين، فترتفع أكلاف إنتاجهم الزراعي، بسبب فاتورة مازوت سحب وضخ المياه الجوفية، فضلاً عن آفات زراعية تطيح بالمواسم، ومنها فأر الحقل والجرد، الذي لا يمكن القضاء عليه إلا بعد عاصفة ثلجية تغطي السهول والحقول والجرود، وما يليها من موجة جليد تقفل على الفئران سائر منافذها، فلا تتضرّر مواسم القمح والشعير ولا حتى بساتين التفاح الجردي» بحسب ما يشرح المزارع أحمد الحاج يوسف.
حتى اليوم، وبحسب متابعة المزارعين لرسائل مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية النصية، ولنشرات مصلحة الأرصاد الجوية، تجمع غالبيتهم على أن «لا بوادر لعواصف ثلجية ما خلا بعض الأمطار المتفرقة». إلا أن لدى هؤلاء «مصلحة أرصاد تقليدية» يعتمدون على توقعاتها. «المبوحرون» أو الأشخاص الذين يتقنون حسابات «البواحير»، تتحول منازلهم إلى قبلة للمزارعين، للسؤال عن أحوال الطقس للأسابيع المقبلة. مهدي ناصر الدين ابن بلدة العين في البقاع الشمالي، اتقن هذه المهنة منذ أكثر من 53 سنة وتوقعاته «لا تخيب» بحسب جيرانه. لا يتأخر أبو علي في الطلب من «الأخبار» أن «تزف خبر الخير للناس، فالسنة الحالية سنة خير بإذن الله، ورح يكون فيها أمطار وثلوج وأسى» (قسوة). يعزو أبو علي توقعاته بالخير هذا الشتاء، إلى ما أظهرته مراقبته للطبيعة في عيد مار الياس، منتصف تموز المنصرم، وعيد السيدة العذراء في أيلول.




المربعانية والقرينات

ثمة تسميات وأقوال شعبية يحرص البقاعيون، و«المبوحرون» منهم على حفظها واستعمالها لكونها تندرج ضمن خانة التراث. فالمربعانية، وبحسب المبوحر مهدي ناصر الدين، هي فترة زمنية خلال فصل الشتاء تمتد لتسعين يوماً، ومن ضمنها الخمسينية التي تحوي «سعد دبح»، «وسعد بلع»، و»سعد السعود»، و»سعد الخبايا» (يمتد كل منها 12 يوماً ونصف).
في حين أن «القرينات» تحدد طقس بعض الأشهر بأقوال شعبية، وهي «قرين تسع برد ولسع»، (أول شباط)، «وقرين سبع بتشوف ضبع»، (إشارة إلى آذار حيث يولّي البرد)، أما «وقرين خمس هوا وشمس» (نيسان)، بالإضافة إلى «قرين إلاش طاب الحلاش» (أيام الحصاد في أيار).