لا يمكن الحديث عن خطاب الكراهية إعلامياً من دون أن نشمل منظومة متكاملة، تبدأ بغرف التحرير ولا تنتهي عند القابضين على هذه المؤسسات، وما يحيط بهم من سياسيين وأصحاب مصالح. بدأت أخيراً محاربة خطاب الكراهية عالمياً وعربياً، ولا شك في أنّ التطورات الحالية فرضت ذلك، ولا سيّما مع تصاعد سطوة «داعش»، وانخراط الإعلام في الترويج له عن قصد أو غير قصد.
دخل التنظيم الإرهابي إلى الشاشات من دون تأشيرة دخول، ومعه أعلى درجات التوحّش والعنف الدموي. مواد مصوّرة جاهزة بتقنيات حديثة، وبأسلوب سينمائي أحياناً، مرفقة بمشاهد عنفية أصبحت بمتناول الجميع. فخ تنبّهت له مؤسسات إعلامية ومواقع افتراضية، فيما استغلته بعض الفضائيات العربية للتشفي السياسي والطائفي. في البداية، وقعت في فخه الشاشات المحلية، قبل أن توقف «زحفه»، ولا سيّما مع قضية العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة». لكن أخيراً، أدت هذه التنظيمات الإرهابية دوراً مضلّلاً، إذ لم تكشف كما جرت العادة عن شريط مصوّر يوثّق عملية تصفية الرقيب علي البزّال، بل اكتفت ببيان مع صورة ضعيفة الجودة للبزال وهو بوضعية الركوع ومن خلفه أحدهم يطلق عليه الرصاص.
صورة تداولها الناشطون بكثرة برغم بشاعتها، وساهموا في الترويج لـ«النصرة» وأخواتها. كذلك، ذهب بعض الإعلام لتحليل صحة الصورة، محاولاً خلق المزيد من الإرباك، وخصوصاً لدى ذوي الشهيد البزّال (الأخبار 9/12/2014).
تحدي «الزحف الداعشي» تُضاف إليه تحديات جمّة ما زالت تشوب أداء وسائل الإعلام في استخدامها خطاب الكراهية المتعدد الأشكال. هنا، تُعد التجربة اللبنانية أفضل مثال، إذ يمكن تسجيل انعكاس الانقسام السياسي والطائفي الحاصل منذ عام 2005 على الجسم الإعلامي، وتصاعد خطاب الكراهية (المذهبي تحديداً)، لتأتي الحرب السورية قبل أكثر من ثلاث سنوات وترخي بثقلها على المشهد الإعلامي. هذه الحرب حوّلت الشاشات إلى حلبات مصارعة أبطالها برامج الـ«توك شو» السياسي، قبل أن يصل «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، ويخترق الجسم الإعلامي اللبناني.
المسألة لا تنتهي هنا! عندما نتكلّم عن خطاب الكراهية، نقصد أيضاً الخطاب الإعلامي القائم على أساس التمييز العرقي والإثني والجندري الذي يُصنّف الجرائم بخلفية جنسية المرتكبين.عدا بعض الاستفتاءات واستطلاعات الرأي التي تندرج ضمن ممارسة ممنهجة للعنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان.
إذاً، كيف السبيل إلى بناء إعلام «نظيف»، خال من الترويج لهذا النوع من الخطاب؟ يمكن العودة إلى الورشة التي نظّمتها مؤسسة «مهارات» بالشراكة مع «مركز الصحافة النروجية»، و«شبكة الأخلاقيات الإعلامية» في بيروت قبل أسابيع. حاولت الورشة تفكيك خطاب الكراهية وإيجاد طرق لمحاربته مع مجموعة إعلاميين وأكاديميين عرب وأجانب.
وفي هذا المجال، كان لافتاً استشارة «مهارات» لخبير تقني لمعرفة الوقت الذي سيتطلبه التدقيق في أي شريط فيديو تستحصل عليه أي وسئلة إعلامية. والنتيجة هي أنّ الصحافي يحتاج إلى 20 دقيقة لفحص المحتوى قبل نشره. وطبعاً هذا العمل غير محبّذ بالنسبة إلى المحطات، لأنّه سيتطلّب مزيداً من الوقت، وهي في حالة سباق مستميت مع زميلاتها وتسعى إلى الأسبقية في النشر مهما كان المضمون.
قبل الولوج في طرق «العلاج»، لا بد من الالتفات إلى الشعرة الفاصلة بين محاربة خطاب الكراهية وحرية الرأي والتعبير. ولعلّ مداخلة مدير «الرصد الإعلامي» في «مهارات» طوني مخايل خلال الورشة أعادت توجيه البوصلة. فليس كل «خطاب سلبي يعني خطاب كراهية». في هذا السياق، يجب الالتفات إلى المصدر وتكراره في الاتجاه عينه، وإلى الفئات المستهدفة من الخطاب، إضافة إلى التنبّه إلى أسلوب مناهضة هذا الخطاب. أسلوب يجب أن يخلو من السذاجة تحت خيمة «الحب والسلام»، كما أوضح الزميل بيار أبي صعب في مداخلته في الورشة، داعياً إلى «قوننة الحقد» وتحويله إلى «نضال» بين مجموعة الصحافيين والأكاديميين.
وبالعودة إلى بعض الخطوات العملية لمناهضة الكراهية، يمكن أن نستعين أيضاً بما أوصى به مدير «شبكة الأخلاقيات الدولية» آيدن وايت. الأخير أكد أنّ «على الصحافي القول إنّني قادر على مجابهة هذا الخطاب»، بمعنى أن يعزز المساحة النقدية لديه. فإذا كانت الحجة أنّ خطاب الكراهية صادر عن الضيف، لا يمكن للصحافي أن يتذرّع بها ويتنصل منها. وإذا كان مجبراً على استضافته، يمكنه على الأقل أن يقاطعه ويقول له: «أنت تتفوّه بخطاب عنيف غير مقبول».
والأكيد أنّ التدريب المستمر للجسم الصحافي يحميه من تبني هذا النوع من الخطاب والترويج له. أما في ما يتعلّق بالإحصاءات التي تتضمّن عنصرية وكراهية، فأشار وايت إلى أنّ مثل هذه الاستطلاعات لم تُجرَ إلا لتولّد المزيد من الخوف ضد الآخر. واستشهد بالمبالغة في أرقام النازحين من خلال التلاعب بها بغية التحريض وبث الكراهية، سائلاً: «ما نفع هذه الأسئلة إذا كانت الإجابات معروفة مسبقاً؟».