لا يتنبّه كثيرون لأسنان الجرافات التي تلتهم بيت بكار في صيدا. الشارع المتفرّع من ساحة النجمة، لم يعد مرتبطاً بالبيت التراثي الذي رمّمته وشغلته إحدى الجمعيات الأهلية لسنوات، بل بات يعرف بـ«المول» التجاري الذي يشكل واجهة الشارع على الأوتوستراد الشرقي. ومواكبة لتغيّر الاهتمام العام ربما، وافق الورثة الذين آلت إليهم ملكية البيت، على بيعه منذ ثلاث سنوات لأحد المقاولين الكبار.

المقاول الذي يحمل اسمه الكثير من أبنية صيدا، أراد أن يكمل سجّله المعماري، فشرع منذ أسابيع بهدم البيت ليبني عمارة حديثة، تصطف المحال التجارية عند واجهتها وتعلوها شقق سكنية. لم يخطر بباله مثلاً أن يبقي على واجهة البيت الأمامية، ويشيّد المبنى المرتفع خلفها، لأن ذلك يحرمه من استثمار الطبقة الأرضية تجارياً.
هكذا بهدوء وصمت، يمر جرف تاريخ البيت ذي الطراز اللبناني التراثي المؤلف من طبقتين. شيّدت الأولى قبل عام 1900 والثانية خلال عهد الانتداب الفرنسي. تداخل الزمنين جمع بين القناطر في واجهته الرئيسية ونوافذه المستطيلة وسقفه العالي وغرفه الفسيحة وبين الاسمنت المزخرف. القيم المعمارية المتنوعة التي يحملها البيت، لم تنصف وجوده، لا شعبياً ولا رسمياً. فهو لا يندرج ضمن البيوت المصنّفة تراثياً. وبالتالي لم يكن التنظيم المدني معنياً برفض منح المقاول رخصة السماح بهدمه وتشييد بناء مكانه. الرخصة التي حصل عليها خوّلته إبرامها في بلدية صيدا. رئيس البلدية المهندس محمد السعودي أحال المسؤولية إلى التنظيم المدني والقوانين التي لا تعطي البلدية صلاحية التدخل في الأملاك الخاصة كحال بيت بكار. لكنه تعهد بحماية الأبنية التراثية الواقعة في منطقة شرق الوسطاني المقبلة على مشروع الضم والفرز. وهذا سبب إضافي لسوء حظ بيت بكار أنه يقع غرب الوسطاني، أي في المنطقة التي خضعت لمشروع مماثل مطلع التسعينيات.
لم يحظ البيت بحملة تضامن وإن كانت لن تحول بينه وبين مصيره المحتوم. في صيدا القديمة، تتمركز معظم البيوت التراثية، أما خارجها فهي قليلة، إما طوتها الذاكرة أو جمّدها الإهمال كبيت عسيران في شارع الست نفيسة أو مبنى العازوري بجانب قصر العدل... فهل تدفع قلة البيوت التراثية إلى تجاهلها أو التمسك بنماذجها الفريدة؟ وهل يفي مشروع الضم والفرز المرتقب بتعهداته تجاه البيوت التراثية في شرق الوسطاني، في وقت وضعت فيه التصاميم الهندسية ولم تصنف البيوت التراثية بعد؟