«لم يبق من احتفالات عيد البربارة إلا الذكريات الحلوة» يرفع غسان ألوف برأسه في إشارة يجزم من خلالها بأن احتفالات عيد البربارة في بعلبك وقراها «ما عادت مثل أيام زمان، راحت هيديك الإيام اللي كان العيد فيها أشبه بمهرجان شعبي كبير». يقول ذلك من أمام متجره المقابل لأعمدة قلعة بعلبك ومعبد القديسة بربارة. في ذاكرة ابن مدينة بعلبك، والذي يبلغ من العمر 77 سنة، صور لاحتفالات أيام زمان بعيد القديسة بربارة في مدينة الشمس.
يشير بإصبعه إلى ساحة خليل مطران، ومعبد وكنيسة القديسة بربارة، التي كانت جميعها تزدان بالأشرطة والزينة الملونة في الثالث من شهر كانون الاول من كل عام، «كان يصير ببعلبك مهرجان ومسيرات، ولم تكن حكراً على أبناء الطائفة المسيحية، فعائلات منطقة بعلبك ـ الهرمل كلها كانت تشارك بعيد شفيعة بعلبك، كعائلة واحدة تجمعها المحبة والإلفة، ولا تنسى الزيارات البيتية وجولات المعايدة، والأطفال الذين يسرحون ويمرحون من حي لحي ومن بيت لبيت».
والقديسة بربارة بحسب ألوف هي «ابنة أمير بعلبك، ويرجح بحسب الروايات أنه ديسقورس والذي كان شديد التمسك بالوثنية، في حين تعلق قلب الفتاة بتعاليم السيد المسيح. ولدى معرفة والدها بذلك أمر بجلدها وتعذيبها، الى أن هربت وتوارت في حقول القمح، وجالت في بعض قرى المنطقة متنكرة بملابس لتخفي ملامحها، ومن هنا جاءت فكرة التخفي بالأقنعة والثياب التنكرية».
تشرح جورجيت، السيدة البعلبكية، أن العيد في المنازل وفي ساحة المطرانية كان «أكثر حيوية من اليوم، إذ تنهمك النسوة في تحضير حلوينة العيد (القطايف والسكاكر والعوّامات على اختلافها بالقشطة والجوز واللوز والفواكه المجففة)، وكنا نسلق القمح بكميات كبيرة في باحة المطرانية لرمزيته». تبتسم السيدة الستينية وهي تتذكر عبارات الأغنية التي ما زال الأطفال يرددونها حتى اليوم، بعد تنكرهم بأقنعة، وطوافهم على بيوت الجيران والاقارب والاصدقاء ومعايدتهم بأغنية «هاشلي بربارة مع بنات الحارة، عرفتا من عينيها ومن لمسة إيديها ومن هيك الإسوارة هاشلي بربارة...».
لكن ماذا عن اليوم واحتفالات عيد البربارة في بعلبك وقراها؟ تؤكد السيدة أن الأمور اختلفت بعض الشيء: «صارت الاحتفالات ع الضيق، وبالمنازل والكنيسة ومع الأهل والأقارب مش متل زمان باحتفالات كبيرة». يوافقها غسان الرأي فاحتفالات اليوم «يختلف مشهدها كلياً، إذ تقتصر على الصلاة ومعايدة المطران، وحتى من عائلات غير مسيحية ببعلبك وقراها، بالإضافة إلى بعض الزيارات المحدودة، واحتفالات مدرسية». يكمل بحسرة «حتى ارتداء البربارة من قبل الأطفال يحصل في المنازل القريبة بالحي، بالنظر إلى الأوضاع الأمنية والخوف الذي يسيطر على العائلات».
ليل أمس احتفلت قرى البقاع بعيد البربارة وجال الأطفال كما العادة. في حين يبقى العيد في مدينة بعلبك يحتفظ برمزية وألق خاص، بالنظر إلى وجود معبد البربارة الأثري ضمن حرم قلعة بعلبك الأثرية والتاريخية، بالإضافة إلى كنيسة وقبر القديسة بربارة، بحسب ما يؤكد غسان ألوف ابن المدينة. ومن المشهور في بعلبك مقولة أن القديسة بربارة «شفيعة بعلبك، وشباب المدفعية»، ويعزو البعض تلك المقولة إلى ما تعرّضت له القديسة من مخاطر، وإلى أنها «تحمي من الأخطار
المحدقة».