برلين | الأسبوع العالمي لوقف العنف ضد النساء والفتيات... جيد... ممتاز. بإمكاننا الآن التخلي عن التساؤلات حول أهمية وفعالية كل يوم من «الأيام العالمية». الأيام التي تحدث كل يوم، وقد طالت مدتها هذه المرة من يوم إلى أسبوع. ليس في تكرار كلمة يوم في ما سبق قلة انتباه، فاقتضى التنويه.
أقترح بداية أن نحدد مفهوم العنف أولاً: عن «لسان العرب»: يساوي العنف الخُرْقُ بالأمر وقلةُ الرفق به... ولسان العرب «طويل»، قد يصل بك حدّ اعتناف الشيء أي كراهيته.
منذ أيام وفي اتجاه يصب في مصلحة الحملات التي تسعى إلى نشر التوعية في هذا الشأن، انتشر فيديو على شبكات التواصل، عبارة عن اختبار تقوم به احدى المنظمات «المدافعة» عن حقوق المرأة، لرصد حساسية الناس تجاه العنف ضد النساء. في الفيديو متطوعون يلعبون دور المعنِّف والمعنَّفة، وكلما استقل المصعد شخص، يوبخ الرجل المرأة بشدة، يكاد يضربها، تشعر أنه سيفعل فور مغادرة المصعد. جزء من الركاب أدار وجهه على طريقة القردة الثلاثة الشهيرة: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم. نتحدث إذن عن ٨ أشخاص دخلوا المصعد وغادروا صامتين، وامرأة واحدة اعترضت وأنّبت الرجل، فكانت المفاجأة أن انهال الرجل والمرأة عليها بالشكر لأنها قامت برد فعل «مطلوب»، ولّوح الجميع للكاميرا المخفية في زاوية المصعد بسعادة. الفيديو سويدي وفي سياق المقال الذي تحدث عنه، وردت معلومة تشير إلى حدوث حالة «تعنيف ضد النساء كل ٢٠ دقيقة في السويد». المعلومة لافتة وغير قابلة للتصديق. السويد! البلد الذي اقتُرح فيه مرة قانون في إطار تعزيز المساواة بين المرأة والرجل، يلزم الرجل التبول جلوساً لأسباب لا تحصى، ومنها تحسين ظروف النظافة، مكافحة سرطان البروستات وغير ذلك من الأسباب المثيرة للدهشة. المساواة بين الجنسين، هذا الموضوع العزيز على قلب السويديين، والذي جعلهم في مصاف البطولة (أحياناً)، بدءاً من مقاعد الدراسة حيث يحث المعلمون والمعلمات (من أجل المساواة) التلامذة على تفادي الأفكار النمطية، وصولاً إلى الإضافة التي حلت على قاموسه اللغوي بكلمة «Hen»، وهي، على ما يبدو، كلمة محايدة بين هي وهو. كل هذا ويحدث أن تُعنّف امرأة كل عشرين دقيقة في السويد. حملت الفكرة وغردت بها على «تويتر». لم تتأخر ردود الفعل، فبين رد لأحمد حسن فرحانة الذي اعتبر أن كلمة تعنيف «نسبية» في السويد، حيث عبوس الرجل في وجه امرأته قد يعتبر تعنيفاً، ورد راكان الحمد الذي قال: «إما الدراسة غير صحيحة، أو أن التعنيف لديهم هو غير الذي نعرفه، أو أنني لم أعرف السويد فعلياً»، أعتقد أن مراجعة قوانين السويد في هذا الشأن ليست فكرة سيئة. في الأسبوع العالمي لوقف العنف ضد المرأة، يتذمر صنّاع القوانين من عجزها وإفلاسها، حيث لا يكفي القانون وحده لحماية النساء المعنفات. في الأسبوع العالمي لوقف العنف ضد النساء والفتيات، لا تزال امرأة من بين كل ثلاث نساء حول العالم تتعرض لعنف جسدي أو جنسي أو معنوي، تقول الدراسات. كنت أنادي دائماً في سرّي، وأحياناً على شبكات التواصل الاجتماعي، التي التصق بها التصاق الشوكة بالوردة، بضرورة تعليم الفتيات منذ صغرهن فنون القتال في المدارس. قد نقضي هكذا على المشكلة، ثم جاء اليوم الذي انتشر فيه فيديو، لم أتمكن من تعقب آثاره لمعرفة ظروف تصويره أو مكان حدوثه. شاءت الصدفة أن يكون هو الآخر مصعداً، بكاميرا مراقبة، نقلت دخول فتاة تبدو صغيرة، يلاحقها رجل يدخل المصعد عنوة أثناء إقفال الباب، ثم يحاول سرقتها بعد ثوان على توقف المصعد وفتح الباب في طابق آخر. ثم كانت المفاجأة: تنهال الفتاة على المتحرّش بالضرب بحرفية المقاتلة. أوقعته أرضاً أشبعته لكماً، وعندما توقف المصعد وفتح الباب لاذ بالفرار لكنها طارت وراءه ولم نعرف ما اذا كان ختامها مسكاً أم جراحاً مضمّدة.خرجت للتو من كاتدرائية العاصمة الألمانيّة الشهيرة، حيث منحوتتين، لتابوتين. الأول لفريديريك الأول ملك بروسيا، تجلس أمامه امرأة تدفن وجهها الباكي في يديها وملاك إلى يسارها، في المقابل وأمام تابوت زوجته الملكة صوفي شارلوت، جلس ما يحلو لي اعتباره ملك الموت بوجهه المرعب، يحمل دفتراً ضخماً وقلماً. أجمع كل من سألتهم من سواح وقفوا أمامه أنه يسجل أخطاءها وخطاياها... حسناً، ما الذي دفع النحات اندرياس شلوتر الى هذه الفكرة؟ «الرجل رأس المرأة»، كلمة ترددت كثيراً على مسمعي صغيرة، رفضتها حتى اليوم. وقد يحلو لي ان أعود بتاريخ العنف ضد النساء الى تلك اللحظة التي امتدت فيها أصابع الاتهام نحو حواء، وجعلتها أصل البلاء والخطيئة والغواية، ولكنني سأمنع، إذ لا قدرة لي على احتمال التعنيف الكلامي، في هذا الشأن، كما قد يحلو لي أن أسأل الله يوماً تقديم اعتذار للمرأة المعنفة، وأسأله السلام.