تشكّل المشاركة في الألعاب الأولمبية كل أربع سنوات هدفاً لكلّ رياضي ورياضية يزاول لعبة فردية، خصوصاً القتالية منها، حيث يعتبر هذا الحدث الأهم رياضياً بالنسبة لتلك الألعاب. ورغم تنوّع تلك الألعاب القتالية وحتى الأساليب التي تتضمنها بعض الألعاب، فإن الألعاب الأولمبية لا تعترف سوى بلعبتين قتاليتين التايكواندو والجودو. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو رفض اللجنة الأولمبية إدراج ألعاب لا تتأمن فيها الحماية اللازمة حتى لا يتعرض اللاعبون لإصابات ينتج منها نزف للدماء.
فهو أمر تعتبره اللجنة الأولمبية الدولية يشوّه صورة الرياضة، خصوصاً أن المنافسات منقولة الى كل دول العالم عبر القنوات الفضائية. حتى أن اللجنة الأولمبية كانت في صدد إلغاء لعبة الملاكمة من الألعاب الأولمبية لولا إدخال وسائل حماية للاعبين من قبل الاتحاد الدولي للملاكمة، وهو أمر رفضته اتحادات الألعاب القتالية الأخرى كالكاراتيه والكونغ فو والكيك بوكسينغ وغيرهم فبقيت خارج العائلة الأولمبية.
وفي لبنان لطالما كانت هاتان اللعبتان بوابة نحو منصات التتويج عبر لاعبين ولاعبات ككوزيت بصبوص وأندريا باولي وميشال سماحة والياس الحداري في التايكواندو، أو رودي حشاش (برونزية بطولة آسيا عام 2010 في كوريا الجنوبية وفضية الألعاب الفرنكوفونية) وكارن شماس وليا فرحات وناصيف الياس في الجودو.
وآخر الإنجازات اللبنانية كانت في الجودو، مع 4 ميداليات من بينها واحدة ذهبية ومثلها برونزية للاعب ناصيف الياس (دون 90 كلغ) في لعبتي الكوراش والجوجتسو وميداليتان فضيتان للاعبة كارن شماس (63 كلغ) في لعبتي الكوراش والسامبو ضمن دورة الألعاب الآسيوية الشاطئية في مدينة فوكيت التايلاندية. لكن تلك الميداليات قد أُحرزت في ألعاب غير معترف بها أولمبياً، الا أن هذا لا ينتقص من أهمية الإنجاز، خصوصاً أنه جاء بعد إحراز ناصيف الياس ميدالية أولمبية في الجودو ضمن دورة الألعاب الآسيوية في مدينة إنشيون الكورية الجنوبية. أضف اليها برونزية الياس الحداري في التايكواندو في وزن فوق 87 كلغ.
تعتبر لعبة
التايكواندو الأكثر انتشاراً في لبنان مع وجود حوالى 10 آلاف لاعب مسجلين اتحادياً



وقد يكون لطريقة التأهل وخوض المنافسات دور في تحقيق الميداليات في الألعاب القتالية، إذ يمكن الوصول بسهولة الى الأدوار التي تمنح ميداليات نظراً لوجود عدد كبير من الأوزان وخصوصاً في التايكواندو، ولا يسمح لكل بلد سوى بالمشاركة في أربع أوزان فقط من أصل ثمانية ممكنة. وبالتالي يمكن للاعب أن يخوض مباراة واحدة فقط ويفوز بها حتى يضمن ميدالية. فعلى سبيل المثال وفي أولمبياد الشباب دون العشرين عاماً في 2010 في سنغافورة، شارك ميشال سماحة في لعبة التايكواندو وأحرز الميدالية البرونزية بعد فوزه في مباراة واحدة على لاعب من دولة مغمورة في الدور الأول. أما في الجودو فقد شاركت كارن شماس وخاضت أربع مباريات ففازت في ثلاث وخسرت واحدة لتحلّ في المركز الخامس.
وتتفوق لعبة التايكواندو على الجودو من ناحية الانتشار حيث يبلغ عدد النوادي الرسمية المنضمة الى عائلة الاتحاد اللبناني للعبة 50 نادياً ينتمي اليهم ما يقارب العشرة آلاف لاعب ولاعبة. أما عائلة الجودو فتتألف من عشرين نادياً يضمون ما يقارب الـ 1500 لاعب ولاعبة بشكل رسمي رغم مزاولة هذه اللعبة من لاعبين كثر لا ينتمون الى الاتحاد. وقد يكون السبب الرئيسي وراء تفضيل الأهل تسجيل أولادهم في التايكواندو مبدأ السلامة والحماية المتوفّر بشكل أكبر في هذه اللعبة منه في الجودو. حيث هناك أدوات حماية للأجزاء الحساسة من الجسم كالرأس والصدر وغيرهم، بعكس الجودو. فالأهل غالباً ما يكونون السبب الرئيسي وراء إدخال أولادهم في أندية لمزاولة ألعاب قتالية بهدف تقوية شخصياتهم وحمايتها وتعزيز ثقتهم بأنفسهم. وبالتالي يكون لعنصر الحماية دور رئيسي في اختيار اللعبة خصوصاً أن الأولاد يبدأون مشوارهم في عمر مبكر.
وقد تكون مزاولة الأولاد الذكور للألعاب القتالية أمر منطقي أكثر من مزاولة الفتيات لهذه اللعبة. فما هي الأسباب التي تدفع «الجنس اللطيف» لمزاولة لعبة خشنة؟
غالباً ما تكون الصدفة وراء مزاولة أي لعبة، بالنسبة لكارن شماس
(21 سنة) فإن دخولها لعبة الجودو كان عبر خيار الأهل نظراً للعلاقة بين والدها وليد شماس ورئيس الاتحاد فرنسوا سعادة الذي يملك نادي بودا حيث كانت كارن وشقيقها ينخرطان في معسكر صيفي. ومنذ عام 2000 بدأت كارن تتألق في الجودو وتحصد الألقاب فقررت احتراف هذه اللعبة.
أما بالنسبة لأندريا باولي (22 سنة) فهي دخلت الى لعبة التايكواندو كي تشجع شقيقها فيليب على مزاولة الرياضة، لكنها استمرت في هذه اللعبة وتوجه شقيقها نحو كرة القدم، لتبدأ باولي مشوار حصد الألقاب حتى وصلت الى أولمبياد لندن 2012 متأهلة مباشرة عبر التصفيات وليس من خلال بطاقة دعوة.