دمشق | أسدلت الستائر. هذه المرة حاسمة: لن تفتح. في السابق، عندما أقفلت سينما دمشق، كان ثمة يقين بأنها ستعود. لكن الآن، لا شيء يدل على ذلك، فقد تداعى كل شيء، حتى المبنى الذي صار محاصراً بطبقات من الحجارة، على شاكلة متاريس الحرب. لم يبق من السينما إلا لافتة صغيرة تحمل اسمها: سينما سيتي (دمشق سابقاً)... وبعض من الحنين لماضي الطوابير الطويلة.
أواخر العام الماضي، أقفلت السينما التي جهد القطاع الخاص لإعادتها إلى الحياة مطلع عام 2009. أحبط الشباب السوريون، وشعروا بأن الحياة ليست على ما يرام. وهذا شعور حقيقي هنا، فالسينما بالنسبة للسوريين طقس مقدس. وقد يفيد الرجوع في الذاكرة إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كان الذهاب إلى السينما طقساً يمارسه السوريون كباراً وصغاراً. وزائر دمشق في تلك الفترة يعرف جيداً كم يعني هذا الأمر لهم، سواء في المناسبات أو المهرجانات أو الأعياد أو حتى في الأيام العادية، ويعرف أيضاً الصالات العريقة التي كان يتوافد إليها عشاق السينما من معظم المدن السورية والتي انتهت واحدة تلو الأخرى، ومنها سينما الشام في فندق الشام والكندي والحمرا وسينما سيتي أو سينما دمشق سابقاً، والتي أسست عام 1955.
أحدث هذا الإقفال فراغاً في حياة السوريين، وخصوصاً الشباب منهم، فحاول بعضهم البحث عما يعوّض أو على الأقل البحث عن شيء يشعرهم بأن الحياة لا تزال مستمرة. وإحدى هذه المحاولات كانت مهرجان السينما الذي أقامته «دار الأسد للثقافة والفنون» أواخر شباط الماضي، والذي استمر شهراً كاملاً، عُرض خلاله حوالى 90 فيلماً. بدت هذه التظاهرة محاولة لتلميع صورة الواقع الذي تعيشه المدينة. محاولة للإيحاء بأن دمشق مدينة آمنة وتحت السيطرة تقيم فعاليات ثقافية وفنية... كما ستظهرها حتماً وسائل الإعلام الرسمي.
ويمكننا أن نقنع أنفسنا أن هذا صحيح، إذا تغاضينا عن القذائف التي تسقط في حرم الدار، التي استقبلت التظاهرة، بين فترة وأخرى، وإذا تجاهلنا صعوبة الوصول إلى المنطقة أحياناً بسبب الحواجز والقذائف وعدم توافر المواصلات.
لكن الشباب هنا لم يتنبهوا ولم يكترثوا للأهداف وراء هذه التظاهرة وأقبلوا عليها إقبالاً كبيراً، لسبب واحد: حبهم للسينما.
قبل هذا كله، كان باستطاعة كل شاب أن يجد ما يحب في صالات السينما السورية. أما اليوم، فقد تلاشى كل شيء. فقد صار أقصى ما يتمنونه نافذة صغيرة تسمح لهم بخوض مغامرة خيالية تبعدهم عن واقع مضن، أو ربما تنسيهم مغامرة خاضوها في طريقهم لحضور فيلم.