«المدينة بحاجة إلى فن. على المستوى البصري أصبحت طرابلس مليئة بالمشاهد التجارية، بنايات باطون بشعة. كان لا بد من كسر هذه البشاعة، واجبك أن تغيّر هذا المحيط». في 2010 اتجه علي الرافعي إلى جدران طرابلس بعد صراع ذاتي طويل. أولى رسومه كانت على حائط مهمل لا يراه أحد. بعد ذلك أراد أن يتواصل مع الناس عبر الجدران، الجدران المهملة.
«لتحقيق تواصل ناجح مع المجتمع الطرابلسي كان لا بد من دمج الخط العربي مع الرسم لأنني أردت أن اتحاور مع أهالي طرابلس»، يقول علي. جدران شوارع الملا، المينا، المعرض… مليئة برسوم أرادها أن تغيّر شيئاً من الرمادي الثقيل الذي يسيطر على المدينة. يتنقل الشاب بين طرابلس وبيروت، وبين المدينتين تختلف الرسوم «في طرابلس لا أضع أي بعد سياسي، أركز على الوجوه، على عكس بيروت حيث يمكن أن تتضمن الرسوم الكثير من الرسائل السياسية». ويسقط علي السياسة من طرابلس ويلجأ إليها أحياناً في بيروت، لأن الأخيرة تضم عدداً هائلاً من الفنانين بينما في طرابلس فهم ــ غالباً ــ معروفون.
ممارسة هذا الفن في طرابلس ليست سهلة، فعلياً «بتفوت بمية حيط»، بدءاً من الأهل وصولاً إلى المجتمع الطرابلسي، لأن الناس غير معتادين على فكرة «فن الشارع». يستطرد علي: «هذا لا يعني عدم وجود داعمين، بل على العكس يمكن الرسم على جميع الحيطان، المدينة ليست خطرة كما تتخيلونها». يتحدث الفنان عن طرابلس الحقيقية بانفعال... «فكرة التطرف لا توجد سوى في الإعلام، عندما تكون داخل المدينة لا تشعر بوجود هذه البيئة». المشكلة، حسب علي، هي في الفراغ، فراغ قاتل ومزعج يلف طرابلس.

ثمة «ثقافة مقاهي» وهي وافرة وتنتشر لتملأ الفراغ الكبير في الوقت الضائع. وحده الفن يمكنه أن يمكن أن يضيف شيئاً إلى الفراغ المديني. يرسم علي لسببين: أولاً، تجميل المدينة وإدخال الحياة إليها. وثانياً، تحفيز الآخرين على التفكير، الرسم، التعبير… «عندما رسمت رجلاً عجوزاً في المينا تغيرت المنطقة بالكامل وأعجبت الكثيرين. لكن عندما رسمت وجه شابة أندونيسية سألني أحدهم: ليش من شو بيشكوا العربيات».
يوجد جدران «سكسي» لناحية الشكل والموقع والهويّة مثل حائط مصنع الغرانيت


رسمت حياة حتى اليوم 7 رسوم وعمرها ما زال ثماني عشرة سنة فقط
للفنانين علاقة خاصة مع الجدران، فهناك جدران «سكسي» لناحية الشكل والموقع والهويّة. إنها جدران مميزة، مثل حائط مصنع الغرانيت الذي رسم عليه علي الفتاة الأندونيسية. ينهي علي حديثه بحلمٍ يأمل أن يتحقق قريباً: «أريد أن أرسم في التبانة، لديّ أفكار كثيرة».

«فشة خلق»

قد يُفاجأ الجميع في المدينة أن من رسم على هذا الحائط في منطقة أبو سمرا أو ذاك قرب مكتبة السائح هو فتاة. منذ صغرها تعشق حياة شعبان الرسم وتحديداً التخطيط (calligraphy). في رصيدها إلى اليوم 7 رسوم، وعمرها 18 سنة فقط. تحمل رسومها عبارات تعبّرعن رؤيتها للمدينة: «تحدّيت الموت وانبعثت من الرماد»، هذا ما نقشته على جدران مكتبة السائح بعد أن أحرقها رعاع طارئين على المدينة. أمّا على حائط شارع أبو سمرا تبرز عبارة «ويل لأمة تكثر فيها العقائد وتخلو من الدين». بدايات حياة مع هذا الفن «مضحكة» إذ تعلّمته كوسيلة للغش في المدرسة، كي لا تفهم المعلمة ما تكتبه ثم طوّرت نفسها ليتحوّل «الغش» إلى موهبة. حيطان طرابلس «فشّة خلق». تقول حياة إن الحائط ليس صامتاً دائماً، إنه «وسيلة لرفض الواقع الذي تعاني منه المدينة». انتقادات كثيرة توجّه لها «فالرسم لا ينفع، والبلد ما بيستاهل»، لكن في المقابل هناك تعليقات إيجابية كثيرة. «أفرح عندما أرى أحداً يقف أمام الحائط محاولاً فهم المكتوب».

الرقص مجاني

تأسس فريق one voice team مباشرة بعد الانفجار الذي وقع قرب مسجدي السلام والتقوى


يصر أعضاء الفريق على عدم انتمائهم إلى أي فريق سياسي، السياسة أصبحت «تهمة» في طرابلس

في آب 2013 دوّى انفجاران قرب مسجدي السلام والتقوى. كثر الحديث عن الإرهاب ومواجهته. آنذاك كانت مجموعة من الأصدقاء تجتمع تحت عنوان واحد: «الهيب هوب». ترك الرفاق الجمعيات التي كانوا ينتمون إليها وقرروا أن الفن وحده يستطيع أن يقضي على دوي الانفجارات، فكان عملهم الأول «وجعنا واحد» الذي حمل قضية التفجير. ثلاثة مؤدي راب، سبعة راقصي breakdance، وفنان غرافيتي، خلطة أوجدت فريقاً متكاملا اسمه one voice team. منذ شهرين أصدر الفريق أول ألبوم يضم 11 أغنية أبرزها 3 أغنيات صوّرت على طريقة الفيديو كليب هي «طرابلس للسلام»، «غزة» و«وجعنا واحد». بلهجة طرابلسية محببة يغني إيهاب طه، برهان عرجا وسارة رحولي. برهان (بوب) يكتب كلمات الأغاني التي «تطرح قضايا طرابلس بأساليب مختلفة». كذلك لم تغب غزّة عن بال الفريق الذي خصّص لها كلمات موجعة، «فالقضية تبقى دائماً فلسطين». يصر أعضاء الفريق على عدم انتمائهم إلى أي فريق سياسي، السياسة أصبحت «تهمة» في طرابلس. هدفهم واضح، «نسعى إلى أن نبرهن للعالم أن طرابلس ليست حرباً فقط، هناك فن ينبض داخل هذه المدينة، وهناك شباب يقاومون جميع مظاهر العنف عبر الغناء والرقص والرسم». بدوره، عندما أسّس محمد بعريني فرقة الـ breakdance كان يريد أن يجمع أصدقاءه الذين يشاركونه شغفه وليس لديهم مكاناً يفرغون فيه اعتراضاتهم. هكذا اجتمع الأصدقاء من ضهر المغر، باب التبانة، باب الرمل، البحصاص، وخرجوا ضدّ السلاح، بالرقص.