القصة ليست جديدة، اذ لطالما كانت صورة طرابلس الرياضية غيرها تلك التي ارتبطت بها منذ الماضي البعيد وانسحاباً الى الفترة الاخيرة، في ظل العواصف السياسية والامنية التي عاشتها.الصورة القديمة العالقة في الاذهان تأخذنا الى زمن المنافسة الحامية شمالاً بين الرياضة والادب وجاره السلام زغرتا، والى صورة اخرى في كرة القدم اللبنانية دفعت بنادٍ آخر لمزاحمة الاول طرابلسياً على الصعيدين الكروي والشعبي هو حركة الشباب المنتمي الى جبل محسن.

سقط الرياضة والادب وحركة الشباب الى الدرجات الدنيا، وانصهرت شعبيتهما في اندية اخرى، لكنّ الصورة اللافتة نفسها فنياً وجماهيرياً، نُقلت الينا من اندية اخرى عرفها دوري الدرجة الاولى حديثاً، اي طرابلس الرياضي والاجتماعي. وصورة طرابلس بدت مغايرة عن تلك التي باتت تتخيّلها شريحة كبيرة من اللبنانيين، من بوابة رياضية اخرى، وهي كرة السلة، وعبر نادي المتحد تحديداً، الذي قدّم فريقاً وجمهوراً مميزين من ساحات المستديرة البرتقالية، ومثله فعل الزهراء في الكرة الطائرة...
طرابلس الرياضية قد تشعر بالفقر الذي تعيشه المدينة يومياً، وذلك من خلال الحالة المزرية التي بلغها الملعب الاولمبي الذي اكله الصدأ والخراب، او من خلال بقاء ملعب رشيد كرامي البلدي صرحاً عتيقاً لم يعرف التجديد منذ اكثر من عقد من الزمن، لكن طرابلس الرياضية هذه لم يكن ردّ فعلها سلبياً على «الفقر» المذكور، على غرار ما قيل في الاحداث الامنية إنه ردّ فعل على وضعٍ اجتماعي بائس فتح ممراً سالكاً للارهاب.
طرابلس الرياضية بعيدة كل البعد عن التطرّف الذي أُلصق بعاصمة الشمال، اذ بأنديتها التي تجمع ابن القبّة والتبانة وجبل محسن، مثلما يفعل طرابلس الرياضي، تعكس ارتباطاً وثيقاً بين اطراف المدينة وابنائها الذين يجسدون عبر لعبة جماعية التماسك بينهم لاعلاء شأن اسم مدينتهم.
طرابلس الرياضية لا تعرف التفرقة والتطرف بل تجمع ابن طرابلس وابن بيروت في فريقها السلوي المتحد، وتجمع «ابن العرب» المسيحي والمسلم مع الارمني في فريق طرابلس الفيحاء لكرة القدم للصالات.
كل هذا يبنيه البشر بعيداً من فقر الحجر وتأثيراته، اذ يمكن ان تلمس هذا الامر في لباقة حديث رئيس طرابلس الرياضي وليد قمر الدين، وفي شفافية مدير الفريق عماد توروس. الأمر عينه في الاجتماعي مع رئيسه الشاب والطموح عبدالله النابلسي، وفي المتحد مع رئيسه الخلوق احمد الصفدي ومدير النادي المثقّف سامر النشار، او في طرابلس الفيحاء مع مديره المهذب حسام مراد.
اسماء تترك صورة مشرقة عن المدينة، كما تلك الصور العائدة الى اذهاننا من الزمن الجميل، التي ترشح ذكريات للمتابعين عامةً وللطرابلسيين خاصةً، من خلال ما قدّمه، على سبيل المثال لا الحصر، بلال وواصف الصوفي وصلاح دلاّل وابراهيم حصني مع الرياضة والادب، وشعبان حمادة مع حركة الشباب...
طرابلس الرياضية هي غيرها طرابلس المسلحين الارهابيين. هي طرابلس التي رسمت خطاً ابيض مستقيماً مع الجيش والقوى الامنية في كل ملاعبها ومبارياتها، مدركةً ان أمنهم هو أمنها.
اسألوا لاعب طرابلس الرياضي سعد يوسف يوم أقلّته ملالة للجيش اللبناني عند عودته من احدى مباريات الدوري مع فريقه، لكي تؤمّن وصوله الى منزله في جبل محسن.