الأزياء التنكرية وثمار اليقطين. هذه هي موضة المحال التجارية هذا الشهر. إذ يحتل هذان المنتجان واجهات محال الألعاب والخضار في معظم المناطق اللبنانية. والمناسبة، الاستعداد للاحتفال بعيد «الهالوين» الذي يصادف غداً. دور السينما بدأت بدورها عرض أفلام الرعب، كما أعلن عدد من الحانات الليلية عن برامجه الخاصة التي يعدّها للاحتفاء بهذه المناسبة. هو عيد للكبار والصغار إذاً. لكن المفاجأة تكمن لدى سؤال الراغبين بالاحتفال به عمّا يعرفونه عنه. يخلط كثيرون بينه وبين «عيد البربارة» الذي يصادف في 4 كانون الأول/ ديسمبر. فيما يدمج آخرون بينه وبين «عيد جميع القديسين» الذي يصادف اليوم. ويربطه آخرون بمناسبة «تذكار الموتى» التي يحييها المسيحيون في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر.
من يشكو منه، يفعل ذلك بسبب الوقت والكلفة اللذين بات يتكبدهما لتأمين أزياء هذه المناسبة لأولاده خصوصاً انها صارت واجباً إلزامياً في عدد من المدارس. على الرغم من هذه الشكوى، تجدهم ينصاعون لرغبات أطفالهم في شراء الأزياء التنكرية المخيفة التي تحتل اليوم واجهات الكثير من محال الألعاب في لبنان. قلّة تعرف أنه عيد وثني، سبق المسيحية بقرون وهو عيد يحتفي بالأرواح الشريرة التي تعود في هذا اليوم لتتنقل بين الأحياء وتصبّ لعناتها عليهم في حال لم يقدّموا لها الأضاحي. ولهذا، تتكرّر سنوياً تحذيرات الكنائس عبر العالم من هذا الخلط بين المناسبات، رافضة الطقوس المرافقة لـ«الهالوين» التي تحمل برأي الكنيسة قيماً سلبية مثل التعامل مع الأرواح الشريرة والعمل على إرضائها كي لا تتسبب بالضرر لأحد. تطوّر مفهوم هذا العيد على مر السنوات، خصوصاً بعدما حافظ الايرلنديون الذين هاجروا إلى أميركا على عاداتهم الاحتفالية به، فتحوّل إلى مناسبة تجارية تخضع لها سلسلة متكاملة من المؤسسات: تبدأ بهوليوود وأفلامها، وتمرّ بالالعاب والاكسسورات والمطاعم والحانات، ولا تنتهي عند مزارعي اليقطين وباعته. ومن أميركا، بات لدى الكثيرين عبر العالم عيد لا قيمة وطنية ولا اجتماعية ولا ثقافية له. عيد «معولم» تصنعه شاشات السينما وواجهات المحالّ الملوّنة.
يبدو الأمر مستفزاً، خصوصاً اننا في لبنان اعتدنا على حضور الأزياء التنكرية واليقطين في حياتنا من خلال مناسبتين. عيد البربارة، وشهر الصوم لدى المسيحيين. يترافق الأول مع قصة القديسة بربارة، ابنة هذا الشرق والعادات الجميلة التي كانت ترافق الاحتفال بهذا العيد، أما الثاني فيرتبط بالاطباق اللذيذة التي تعدّ خلال فترة الصوم من كبة اليقطين إلى المربيات. لكن يبدو أن أعيادنا التي نحتفل بها اليوم باتت تحدّدها لنا المؤسسات التجارية، صاحبة السلطة الأولى، التي تفوقت على الدين وعلى التراث. وبعيداً من التحذير المسيحي من سيئات الاحتفال بـ«الهالوين» والقيم السلبية التي يحملها. فلنحاول أن نتذكر الأعياد التي كنا نحتفل بها أطفالاً، واختفت اليوم من روزنامتنا بسبب عدم تماشيها مع قيم السوق. ربما لو كان لبنان دولة عظمى، ولو كان قد حافظ على أشجاره، لردّد الكثيرون معنا بدءاً من الاسبوع المقبل الذي (كان؟) يصادف عيد الشجرة عندنا، نشيدها: جنة في وطني من صباح الزمن/ تملأ الأرض اخضرارا والسموات افترارا.