أن تلعب كرة القدم بقدميك شيء، وأن تلعبها بقلبك شيء آخر.فريق الناجين من الالغام لكرة القدم يعطي أمثولة عن قدرة أيٍّ كان على القيام بأي عملٍ صعب في حال وجدت العزيمة والاصرار والموهبة في آنٍ واحد.
هذا الفريق التابع للجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين التي ترأسها السيدة رندة بري، تأسس عام 1999، ويضم حالياً 16 لاعباً معظمهم يعانون من حالة بتر تحت الركبة، إضافة الى بعض الحالات فوق المرفق. لكن الإعاقة التي قد يرى البعض فيها نهاية لأي شخصٍ، وتحديداً للرياضي، لم تمنع أياً منهم من مواصلة نشاطه في الملاعب أو انخراطه في هذا النشاط الذي لا يمكن وضعه في خانة الترفيه أبداً، بل إن الجدية في التمارين والمباريات كانت واضحة في الاعوام القريبة الماضية، والهدف دائماً هو الوصول الى العالمية.
ولهذا السبب تحوّل الفريق من التدرّب في الميني فوتبول الى العصي، إذ إن الاولى غير موجودة على المستوى البارالمبي، بينما هناك بطولة للعالم في الثانية، وينظمها الاتحاد الدولي للبتر حيث تبدو القوانين واضحة، وهي لعب كرة القدم عبر استخدام العصي بالنسبة الى لاعبي الميدان، بينما يفترض أن يكون حارس المرمى ذا إعاقة بتر في يدٍ واحدة.
ويبدو لافتاً أن هذا الفريق الذي ينشط حالياً في التمارين الاسبوعية وفي تنظيم المباريات الودية، هو الوحيد على المستوى العربي، في وقتٍ أخذت فيه بعض البلدان الآسيوية خطوة مهمة في تأسيس فرقٍ ومنتخباتٍ ذات مستوى عالمي، أمثال كوريا الجنوبية وأوزبكستان وإيران.
الهدف الأول للفريق هو المنافسة على الصعيد العالمي
د. بشير عبد الخالق الذي اضطلع بمهمة تدريب فريق الناجين من الالغام منذ تأسيسه، يطمح إلى أن يحمله الى مستوى البلدان المذكورة، لا بل منافستها، وهو أمر ليس صعباً بحسب ما يقول في حديثه الى «الأخبار». ويضيف عبد الخالق: «لدينا فريق مميز ولاعبون أصحاب موهبة استثنائية وقدرة على التحمل، وقد قطعنا شوطاً كبيراً في التطور مع تحوّلنا من الاطراف الاصطناعية الى العصي. شخصياً سأذهب إلى الانخراط في دورات تدريبية خارجية للاستفادة من خبرات من سبقنا على هذا الصعيد وتطوير الفريق بشكلٍ أكبر».
وتتراوح أعمار الشبان الذين يؤلفون فريق الناجين من الألغام بين 25 و40 سنة، لكن عبد الخالق يبحث عن عناصر شابة إضافية حيث يشير الى أن الدعوة مفتوحة لأي شخص لديه حالة بتر للانضمام الى فريقه، المتوقّع أن يشرع في الذهاب نحو المشاركة في البطولات الخارجية. والمشاركات الخارجية لم تكن حاضرة في فترةٍ سابقة، وهذا الأمر يعكس جدية القيّمين على الفريق لعدم المشاركة من دون تحقيق نتائج إيجابية، فكان التحفّظ على هذه المشاركات قبل أن يصل الفريق الى الجاهزية المطلوبة.
وفي خضم بحث الفريق عن ملعب يتمتع بالمواصفات المطلوبة (50 x 30 م)، وأهمها الارضية العشبية التي لا تؤثر في اللاعبين، يتدرّب الفريق حالياً في بلدة أنصارية الجنوبية، ويخوض عدداً من المباريات مع جمعيات أهلية وغيرها، كان آخرها مباراة أقيمت في طيردبا مع الكتيبة الكورية – الايطالية المشتركة العاملة ضمن إطار اليونيفيل في الجنوب، وانتهت بفوز الفريق اللبناني (6-5).
ومما لا شك فيه أن النتائج الفنية والمواهب الموجودة في هذا الفريق تدفع الى توسيع دائرة رعايته، وهو الذي يحظى برعاية لافتة من الجمعية المنتمي اليها ضمن توجهات ترتبط بأهدافٍ سامية، بحسب ما تشرح د. مهى جباعي، مديرة مجمع نبيه بري لتأهيل المعوقين.
وهذه التوجهات لا ترتبط بأمورٍ رياضية – فنية بحتة، بل هناك تطلعات حقوقية من خلال تأسيس فريقٍ من هذا النوع والعمل على توسيع دائرة المنتسبين اليه، إذ تقول جباعي: «هناك قضية مهمة وهي أن يصبح هذا الفريق نموذجاً مثالياً لمناصرة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. ومن خلال هذا الفريق يمكن أن نرى قدرات المعوق، وأن نعمل على تعزيز حقوقه لكي يندمج في المجتمع بشكلٍ طبيعي، والرياضة هي جزء أساسي من هذا المجتمع».
إذاً، في موازاة العمل الرياضي على الارض، لا يوفّر القيّمون الاداريون أي جهدٍ من أجل تأمين الدعم المالي والصحي والنفسي والاجتماعي لهؤلاء الشبان من أجل الانخراط في الأنشطة كلها، فهم باتوا اليوم يحملون رسالة عبر الرياضة بمختلف أنواعها (بعضهم أبطال في رياضات ألعاب القوى والرماية والسباحة والماراثون...) لدعم حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.
هم قادرون على أي شيء. قالها يوماً البطل الاولمبي الأفريقي الجنوبي أوسكار بيستوريوس المبتور القدمين: «لست معوّقاً بالإعاقة الموجودة لديك، أنت قادر بالقدرات الموجودة لديك».