صحيفة «ماركا» لها اسم اشهر من ان يعرّف. هذه الصحيفة الرياضية التي تصدر في اسبانيا تجول في بلاد يتخطى عدد سكانها الـ 46 مليون نسمة. وفي احصاءاتها فان قراءها ينتمون الى اقاليم ومدن ومناطق تملك اندية في مختلف الدرجات وانواع الرياضة.والكلام عن انتشار هذه الاندية يأتي لاظهار مدى حجم الاهتمام الذي يحيط بهذه الصحيفة في الوسط الرياضي الاسباني، ما انعكس ثقة بين الناشر والقارئ، فأصبح الاخير يعتمد «ماركا» مصدره الحقيقي لتلقي الاخبار من دون اي تشكيك في صحتها. وهذه الثقة جعلت «ماركا» قوية في سوق مبيعات الصحف في اسبانيا، حيث يتخطى عدد نسخها المباعة المليون نسخة يومياً في العاصمة، حيث مقرّ النادي المفضّل للصحيفة اي ريال مدريد، مع العلم ان سعر النسخة الورقية هو يورو واحد، اي ان عائدات البيع تتخطى المليون يورو يوميا، فضلا عن بيع الصحيفة ايضاً عبر التطبيقات الخاصة بالهواتف الذكية واخواتها...

إيمان «ماركا» بتعزيز صورتها الورقية وتطويرها دائماً، جاء من ايمان قرائها بها، لا بل ان هذه الصحيفة اضحت مصدراً لوسائل اعلامية مختلفة حول العالم، ومنها وسائل الاعلام اللبنانية التي تنقل عن موقعها الالكتروني المتاح باللغة الانكليزية ايضاً، وذلك في ظل اعتبار متابعيها أن اخبارها «مُنزلة» على اعتبار انها مصدر موثوق به.
والحديث عن «ماركا» ومدى الثقة بها على غرار العديد من الصحف العالمية المعروفة، يأخذنا الى مكانٍ آخر، الى لبنان تحديداً، حيث خرج البعض عن العُرف واتخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي «مصدراً مقدساً»، لا بل اصبحت لديهم مرجعاً اهم من اي وسيلة اعلامية حيث العمل المحترف والتدقيق في كل كلمة تنشر على الصفحات.
في جلسات عدة يأتيك احدهم بمعلومة، يذكرها بثقة ويدافع عنها إذا سأل احدٌ عن مصدرها، جاعلاً هرطقات «فايسبوك» و«تويتر» واقاربهما من تلك المواقع المفترض ان تكون للتسلية والترفيه والتواصل لا اكثر، مصادر رسمية، رغم انه يمكن لأيٍّ كان كتابة ما يشاء من دون حسيب او رقيب.
هذه المسألة تعكس ثقافة متواضعة على صعيد العلاقة بين الاعلام الحقيقي المتمثل بوسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، والمتلقين لأي معلومة. وهنا لا نُسقط اهمية وسائل التواصل الاجتماعي في تقريب المسافات او طرح العديد من المعلومات، لكن شرعنتها على نحو يذهب الى مساواتها بالمؤسسات الاعلامية التي قد يقضي محرروها ساعات طويلة وهم يبحثون عن صحة معلومة قبل نشرها، امر مثير للسخرية.
الفارق كبير بين هذا البعض وبين الاسبان او غيرهم من الاوروبيين حيث للاعلام تقدير واقعي عند الرأي العام، في وقتٍ يذهب فيه قسمٌ من «الفايسبوكيين» مثلاً الى التعريف عن انفسهم بأنهم اعلاميون لمجرد انهم انشأوا صفحةً يوزعون عليها المعلومات بغض النظر عن دقتها من عدمها.
هو الاعلام المزيّف بكل ما للكلمة من معنى، اذ لو تمكنت كل هذه الصفحات التي يبلغ عددها الملايين من ازاحة الوسائل الاعلامية الحقيقية من الساحة، لكانت «ماركا» وغيرها قد أفلست واغلقت مكاتبها، وذهب كتّابها للانضمام الى مجموعة الاعلاميين المزيّفين الذين تحوّل كل واحدٍ منهم الى كاتب (بلغة ركيكة اجمالاً)، ومحلل، وناقد، ومدرب، وحكم... ووصولاً الى شتّام بحيث انه ليس هناك ما يردعه عن كتابة كل ما يخطر بباله، ليأخذه اصحاب الفكر الضيّق كلاماً نهائياً ويبدأوا في تسويقه.
اسوأ ما قد تصادفه حالياً في ملعبٍ ما في لبنان، هو «فايسبوكي» من شلّة «الاعلاميين الجدد» مزيّناً عنقه ببطاقة صحافية تساويه بصحافيين قضوا سنوات طويلة يعملون بجهدٍ في مكاتب وسائل اعلامية محترمة للحصول على شرف حمل بطاقة صحافية.
يتقدّم نحوك، يناديك زميل، وتسأل في قرارة نفسك عن مدى حجم ثقافة من اصدر له تلك البطاقة «المقدّسة»!