مع آخر أيام عيد الأضحى، يبدأ محمود النقوزي (71 سنة) عطلته السنوية التي تمتد إلى ما قبل عيد رمضان المقبل. الراحة التي يملكها طوال العام، تتبدّل سهراً وتعباً طوال ثلاثة أشهر ونصف، يتشارك خلالها مع زوجته وابنته ناهدة مراحل صناعة الملبن التي ورثها عن والديه. ملبن العيد التراثي ليس ماركة مسجلة لصيدا فحسب، بل لأسرة النقوزي الصيداوية التي تعلم منها البعض سرّ الملبن قبل أن يحاول تقليدها.
في المحل القديم في حي الشاكرية، تستكمل ناهدة آخر فصول الموسم. تقف في المحل بدلاً من والدها وتشرف على بيع حوالى طنين من قضبان الملبن، جنته يداها ويدا أمها وأبيها خلال شهرين. منذ أسابيع، يستيقظ الثلاثة عند الفجر ليعدوا طبخة الملبن ويضعوها في قدر كبيرة على النار. ساعات من التحريك يعقبها تغميس حبال علقت بها حبات الجوز، بالخليط، ثم تنشر لتجف قبل أن تغمس يومياً لمدة 45 يوماً. تلفت ناهدة إلى أن هذه الطريقة هي العموميات التي يعرفها الجميع. لكن لكلّ مهنة سرّها. والسرّ جذوره تركية. تقول ناهدة إن فاطمة قبلاوي، جدتها لوالدها، غادرت في الثلاثينيات إلى تركيا مع عائلة تركية عملت لديها في حضانة أطفالها بعدما تطلقت مع زوجها سليمان النقوزي. بعد عام ونصف، عادت إلى صيدا وزوجها بعد تبلغها بمرض ابنها. بسبب الضيق المادي، فكرت بتطبيق صناعة الملبن الذي تعلمته من العائلة التركية، وبيعه. الملبن التركي يصنع بماء العنب، لكن قبلاوي استبدلته بالماء بسبب انحصار موسمه بالصيف وغلاء سعره. علّمت زوجها صناعة الملبن واستأجرا خيمة مستقلة لطبخ الخليط وتعليقه بعيداً من الناس والغبار لضمان نظافته.
محمود الوحيد من أولادهما تحمس لتعلم أصول الكار. كما ناهدة هي الوحيدة من أولاد الأخير التي تحمست، وتتعهد المحافظة عليه وتريد أن تعلمه لأولادها ليصنعوها لأنفسهم على الأقل. الملبن لم يحدّ حياة الأربعينية. السمة التراثية الصيداوية النقوزية شجعتها على إكمال دراستها حتى نالت إجازة في الأدب الفرنسي. واشترطت على زوجها بأن يسمح لها بممارسة الصناعة التي لازمتها منذ التاسعة من عمرها، لا بل علمته إياها وخصصت باحة خاصة لصناعته في منزلها قيد التشييد.