خلال رحلتك في تاريخ أزقة صيدا القديمة ستصل إلى وجهة ينتهي فيها السحر، حيث ثمة واقع جديد يمحو القديم. هنا «حارة اليهود». الحارة التي لم تصل إليها يد الترميم. حين تسأل عن السبب يأتيك الجواب من أحد سكانها: «إسمها بكفي... هذا الحي كانت تسكنه جالية كبيرة من يهود لبنان، هذا ما يستحقه الكيان الصهيوني». هنا بالضبط، تستشعر الخلط الواضح بين اليهود عموماً والإسرائيليين.
إذاً، في حسابات المقيمين في ذاكرات الآخرين، عدم ترميم «الحارة اليهودية»، وتركها هكذا لتنهشها التحولات الديموغرافيّة، مرتبط بالمجازر التي ارتكبها الاسرائيليون في الحروب المتعاقبة. ذلك رغم أن يهوداً لبنانيين رفضوا الانتماء إلى الكيان الإسرائيلي والهجرة إلى إسرائيل أساساً، لكن هذا حدث في وادي أبو جميل، أو في أمكنة أخرى، وليس في صيدا. يصعب أن تجد صيداوياً يذكر «جيرانه» اليهود.
نحن الآن أمام «كنز» تاريخي. والحديث هنا عن المعبد اليهودي الذي يتوسط الحي المهمل. يسمّون المعلم بالمعبد الفيروزي نظراً إلى حيطانه المطلية بهذا اللون. بني هذا المعبد في القرن التاسع، ويعتبر من أقدم المعابد اليهودية في العالم. معالم المعبد الأساسية تغيرت بالكامل. الواجهة متهالكة والجدران قابلة للانهيار، بيد أنه لا يزال يحتفظ بالنجمة السداسية (نجمة داوود)، وبعض العبارات المنقوشة بالعبرية، إضافة إلى وصايا من التوراة، ودلالة على أماكن الصلاة للرجال والنساء. كبقية حارة اليهود، أصبح المعبد مسكناً شعبياً للبنانيين وفلسطينيين، وأيضاً لسوريين فروا من الحرب قبل 3 سنوات. رغم حالته المزرية عمرانياً، يتلألأ الزمن في حيطان المعبد الفيروزي وحوله. ستجد هنا عبق الماضي كون المعبد واحداً من أقدم الأماكن المقدسة في الكوكب، وآلام الحاضر القريب البعيد تجمع لبنانيين وفلسطينيين وسوريين. لكن الصورة أقوى من الخيال. لدينا ناس يتحدثون عن مجازر الاسرائيليين، ويتمسكون بصورٍ في رؤوسهم لضحايا ماتوا في أمكنة قريبة من المعبد: «لهذه الأسباب وستشهد الذاكرة، أنه في 2005، بدأت أوسع عملية ترميم في تاريخ صيدا، وأوسع عمليّة تصدع، ربما، في تاريخ البلاد بعد «الطائف». والتصدع مستمر في «حارة اليهود». منذ بضعة أشهر أصبح اسمها «حارة غزة». لكن رغم تغيير الاسم ما زال أهل صيدا ينادون هذه الحارة باسمها التاريخي، ذلك رغم أنهم لا يحبّونه. حارة اليهود: لعنتها اسمها، ربما، لا أهلها!