158 مشاركاً من مجمل البلدان العربية، تنافسوا على حيازة جائزة «سمير قصير لحرية الصحافة» في نسختها العاشرة هذا العام. اختير منهم تسعة صحافيين وصلوا إلى التصفيات النهائية عن فئات ثلاث: مقال الرأي، والتحقيق الاستقصائي، والتقرير السمعي البصري. ثلاثة من هؤلاء فاز كلّ منهم عن الفئة التي تنافس فيها. اثنان منهما سوريان، والآخر من الجنسية المصرية.
لم ندخل هنا في هذا التفصيل عن عبث، بل لتوضيح المشهدية بشكل أفضل. ذكرى اغتيال الصحافي اللبناني سمير قصير في 2 حزيران (يونيو) التي أقيمت في قصر «سرسق» (الأشرفية ــ بيروت) كما في العام الماضي، تم توزيع هذه الجائزة التي أصبح لها وقعها وانتشارها العربي مع مرور الوقت. جائزة يمنحها «الاتحاد الأوروبي» الذي كان حاضراً إلى جانب شخصيات دبلوماسية وسياسة وإعلامية لبنانية وعربية.
هذه المرّة، رُسم المشهد بإتقان، ومُسرح على منصة التوزيع والميكروفونات والشاشة الكبيرة التي كانت تنقل لنا مداخلات وأسماء المشاركين والفائزين. ساعة ونصف الساعة، مدّة الاحتفال التي لم نسمع خلالها سوى حدّوتة واحدة: سوريا، و«النظام القمعي في سوريا»، و«الثوار»، و«الأحرار»...
بدا الأمر محكماً في تطييف المناسبة وتحويلها مهرجاناً سياسياً يقتصّ من هذا النظام وحلفائه. يُفترض أن تكون هذه الاحتفالية مناسبة ثقافية بامتياز. فقد أنشئت جائزتها منذ عام 2006 هادفةً كما ورد في التعريف إلى «العمل في إطاري الثقافة والمجتمع المدني من أجل نشر الثقافة الديمقراطية في لبنان والعالم العربي». لكن أي ديقراطية هذه؟ وكل هذه الاحتفالية صبّت في اتجاه واحد، أي توظيف واستغلال الأزمة السورية لصنع لوحة مفجعة أثارت الحاضرين إلى درجة البكاء.
ذروة هذا الأمر عندما عُرض جزء من شريط «أنا أزرق» للصحافي والمؤلف الموسيقي السوري محمد نور أحمد. مشهد تتحلّق فيه مجموعة شبان يغنون حول آلة البيانو في مخيم «اليرموك» السوري الذي علمنا عَرَضاً أنّه أُحرق على يد «داعش» عندما اقتحمت مخيم اللاجئين أخيراً. ولدى شكره المؤسسة على منحه جائزة فئة التقرير «السمعي ــالبصري»، ختم أحمد بـ «بكتب اسمك يا بلادي» التي غنّاها بطريقة رثائية، ما جعل الحاضرين يتفاعلون معه ويذرفون الدموع.
وقبل هذا، فاز عن فئة مقال الرأي الصحافي السوري أيمن الأحمد عن مقاله «أبي... من هو ميشال سورا؟». هنا، عرض الكاتب تجربته الشخصية التي حكى فيها عن «ثقافة الخوف» التي تُزرع منذ الصغر يوم كان «وجه حافظ الأسد يثير الفزع». توجه بعدها إلى الصحافي والباحث الفرنسي ميشال سورا وقال له إنّه منذ أربع سنوات يحاول أن «يكتشف العالم من جديد». والمقصود هنا سنوات الأزمة السورية التي بلغت اليوم عامها الخامس.
في معرض حديثها عن الذكرى العاشرة لغياب زوجها، مرّرت مديرة «مؤسسة سمير قصير» جيزيل خوري في كلمتها المقتضبة عبارة كادت أن تمر بشكل عابر لولا أنّ الحضور لاقاها بتصفيق حار. انتقدت خوري النظام السياسي اللبناني عبر رسالة إلى «حزب الله»، إذ قالت: «دخول لبنان في معارك دونكشوتية لا أمل منها». وطبعاً بين كلمة خوري وعرض للعملين السوريين، كانت أيضاً رسائل سياسية بامتياز.
إزاء ما حدث، يعود السؤال الذي طرحناه آنفاً عن أي ديمقراطية وحرية يتكلمون، والمفترض بمؤسستهم أن تكون على مسافة من الجميع أياً كانت انتماءتهم السياسية والثقافية. لماذا لم يلتفت المنظّمون لما يحدث في الساعات القليلة الماضية من إعادة تحريك دائمة لقضية الناشط السعودي رائف بدوي المحكوم بألف جلدة على خلفية تدوينة على الشبكة العنكبوتية، عبر ضخ العزيمة لدى الناشطين الإلكترونيين لحثهم على ممارسة المزيد من الضغط في سبيل إطلاقه من السجون السعودية؟ ألم يسمع هؤلاء بالناشطة البحرينية زينب الخواجة التي مضى على اعتقالها عشرة أشهر في البحرين؟ وأخيراً وليس آخراً، قامت حملة إلكترونية بعنوان «#حريتهم_حقهم» (الأخبار 4/5/2015) خصصت الشهر الماضي للشاب محمود محمد أحمد (19 سنة) المعتقل في السجون المصرية منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، بسبب ارتدائه قميصاً دوّن عليه «وطن بلا تعذيب».
هذه الأمثلة وغيرها التي يعرفها الإعلام وتلك المعتّم عنها، ألا يحق لهؤلاء وغيرهم الافادة من هواء الحرية مع إخوانهم السوريين أياً كانت انتماءاتهم السياسية والثقافية؟
في المحصلة، أجواء هذه الاحتفالية أتت شبيهة بالبروباغندا التي أريد تظهيرها: نقداً للأنظمة التوتاليتارية المستبدة ذات الرأي الواحد. فكانت على شاكلتها مشهداً ذا صوت واحد وتوجّه واحد يخدم أجندات محدّدة، وينسف طابعها الجامع، ويحوّلها جائزة فئوية أكان لجهة الحضور الذي أتى من لون واحد، أو لناحية مسار الاحتفال الذي صبّ أيضاً في خطاب سياسي واحد.