القاهرة | في 21 حزيران (يونيو) 2014، سبقت «الأخبار» الجميع إلى مناقشة إلغاء وزارة الإعلام المصرية، وتشكيل جهة مستقلة لإدارة المنظومة الإعلامية في البلاد (الأخبار 17/6/2014). وخلال الأيّام الماضية، تداولت جريدتا «الوطن» و«اليوم السابع» المصريتان أنباء حول إعداد «مشروع قانون الهيئة الوطنية للإعلام»، كخطوة أولى قبل إقراره رسمياً بعد موافقة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية. ونشرت الصحيفتان نصّاً مزعوماً لمشروع القانون الجديد الذي يُفترض أن يُطرح على الحكومة. أما الصياغة، فتوحي بأنّ القانون على وشك الإقرار، وأنّ اللجان المختصة في «ماسبيرو» انتهت من إعداده من دون الرجوع إلى المجتمع المدني والنقاش المجتمعي.
النَص مؤلف من 43 مادة، وأتى على نحو منظم شامل للمواد الانتقاليّة الخاصة بتأسيس الهيئة وتنظيم اختصاصات قطاعاتها.
في المادة العاشرة من مشروع القانون المزعوم، نجد أنّ الهيكلة الجديدة للمنظومة الإعلامية الرسمية ستنقسم من جديد إلى أربعة قطاعات: مرئي، مسموع، هندسي وإنتاج درامي. ستتم من خلالها إدارة الإعلام في المحروسة عن طريق مجلس أمناء وأجهزة تنفيذية. يختار مجلس الأمناء ثلاثة مرشحين لرئاسة المجلس بموافقة ثلثي الأعضاء على كل مرشح، ليتم بعد ذلك رفع الأسماء الثلاثة إلى البرلمان الذي ينعقد للتصويت واختيار رئيس لمجلس أمناء «الهيئة الوطنية للإعلام»، على أن يُعتمد تعيينه رسمياً من رئاسة الجمهورية، بحيث لا يجوز عزله إلا بحكم قضائي نهائي.
وقد احتوى النص المتداول على عدد من المواد المثيرة للجدل، بينها مثلاً المادة 11. وقد نصّت الأخيرة على إسقاط مديونيات القطاع لدى «بنك الاستثمار»، وبالتالي إسقاط رهن أسهم شركتي «نايل سات» و«مدينة الإنتاج الإعلامي» لدى المصرف المذكور. وهناك أيضاً المادة 16 التي تنصّ على «حظر قيام أي جهة أو شخص باستخدام أي وسيلة أو جهاز أو تقنية للبث المباشر أو إعادة البث عبر الأقمار الصناعية أو الإنترنت، لأي حدث داخل مصر. كذلك يحظر إعادة بث الوسائل المملوكة للهيئة في الأماكن العامة أو التجمعات السكنية أو وسائل الانتقال، إلا بتصريح من الهيئة مقابل رسوم تحددها. ويعاقَب من يخالف ذلك بغرامة تحدّدها الهيئة».

المسودة المطروحة
كانت تهدف إلى عرض الأفكار

من خلال هذه المادة، يجد الجميع أنّ القانون المزعوم يستهدف إذاعات الإنترنت، ويمتد إلى أي بث مباشر أو مُعاد لأي حدث داخل مصر عن طريق أي وسيلة لتداول المعلومات المرئية. ويمكن من خلالها ملاحقة من يحمّل مقاطع فيديو مصوّرة عبر يوتيوب على سبيل المثال، ما يتنافى مع كوننا في عام 2015 حيث الآفاق المفتوحة الضامنة لنشر المعلومات بمختلف أشكالها على أوسع نطاق.
وفي إطار رد فعل المجتمع المدني على ما تداولته «اليوم السابع» و«الوطن»، فإنّ جميع القائمين على محطات الإذاعة المستقلة التي تبث عبر الإنترنت أعربوا عن استيائهم، حتى وصل الأمر إلى «غرامافون»، أكبر إذاعة إنترنت في مصر وصاحبة أكبر جمهور. قرّر مؤسسها أحمد كمال إيقاف البث اعتراضاً على ما نُشر، مقرّاً بأنّه يشعر كأنّ كل خطوة تُحقق إلى الأمام وكل اتفاق يأمل فيه مع الدولة يتم محوه بـ«قرارات مثل هذه». وبالفعل، بدأ عدد من القائمين على إذاعات مستقلة بترتيب أمورهم لوقف البث تجنباً للوقوع تحت طائلة القانون. وللتأكّد من طبيعة التطورات الحاصلة، وخصوصاً لجهة ملف الهيئة الجديدة، تواصلنا مع الصحافي مصطفى شوقي المتخصص في شؤون حرّية الإعلام وتداول المعلومات، والباحث في هذا الإطار في «مركز حرية الفكر والتعبير» في مصر.
شوقي قال لـ«الأخبار» إنّ الأمور «لم تسر في الإطار الذي تداولته وسائل الإعلام المصريّة. ما يحدث هو تضليل للرأي العام في شأن الهيئة الجديدة، فما نُُشر لم يكن مشروعاً للقانون ولا حتى مسوّدة نهائية له». وأضاف: «اللجنة القائمة على كتابة ما تم نشره هي لجنة شعبية متطوّعة من داخل «ماسبيرو» ومُنبثقة عن لجنة الخمسين المتخصصة في وضع مقترحات وأطر تنظيم عمل الهيئة الجديدة». وشدد شوقي في هذا السياق على أنّ «اللجنة طرحت المواد المتداولة كمقترح أوّلي عمل عليه 8 متطوّعين، ليُطرح للنقاش المجتمعي، وليست مسودة نهائية ولا مشروع قانون».
واتضح لاحقاً أنّ تلك المسوّدة تم تعديلها بالفعل وحُذفت منها المادة 16 المثيرة للجدل، إثر رد الفعل القوي من المتضرّرين. فقد أوضح علي أبو هميلة، عضو اللجنة القائمة على وضع المسودة وصياغتها وأحد قادة «حركة الإصلاح» داخل ماسبيرو، أنّ المسودة المطروحة كانت تهدف إلى «عرض الأفكار للنقاش المجتمعي وأنّه تم إنجاز نسخة مُحدّثة لم تتداول الصحف نصّها، وقد حُذفت منها المادة 16».
الجدير بالذكر أنّ وسائل الإعلام الخاصة في مصر ليس في مصلحتها إقرار قانون لتنظيم وإعادة هيكلة منظومة الإعلام الرسمية المملوكة للشعب، التي يتم بثها من دون تشفير وبدعم حكومي من دون اشتراكات أو رسوم. ولعلّ هذا هو السبب الرئيسي لعدم توضيح الرؤية بشأن القانون المزعوم، وتعمّد طرح المواد الجدلية. وربّما لن يلقى القانون المرتقب ترحيباً كبيراً فور طرحه، ولا سيّما أنّه يفكك مركزية اتخاذ القرار، ويلغي التحكم في المنظومة الإعلامية الرسمية من قبل أفراد وهيئات متعددة.