لطالما كان التلفزيون ــ ولا يزال ــ حلماً يراود الكثير من العاملين في مهنة المتاعب. رغم العمل في الصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية، تبقى عين الغالبية على «الأهم»: الشاشة الفضية الموجودة في كلّ المنازل. علماً بأنّ مفهوم «الأهمية» بالنسبة إلى البعض قد يقتصر على «أضواء الشهرة». ما علينا. في ظل هذا الواقع، نُلاحظ منذ فترة ليست قريبة سلوك الكثير من المراسلين/ ات والمذيعين/ ات طريقاً مختلفة! أصبحت لهؤلاء أمكنتهم عبر الأثير. هنا، لا بد من السؤال عن الأسباب التي قد تدفع أشخاصاً أثبتوا أنفسهم عبر الإعلام المرئي إلى العمل أيضاً بعيداً عن الكاميرا.
«قد يشكّل العامل المادي دافعاً رئيسياً، خصوصاً أنّ مدخولنا في القنوات المحلية عادةً لا يكون كبيراً»، تقول المذيعة والمراسلة في قناة «الجديد» كريستين حبيب، مضيفةً: «في حالة البحث عن مدخول إضافي، يكون الراديو الأقرب إلى مجال عملنا». الاكتفاء المادي ليس السبب الوحيد بالنسبة لمقدّمة «عَ غير موجة» (الثلاثاء ــ 16:20 ــ «صوت لبنان ــ الأشرفية»)، فالأهم هو أنّ «السياسة لا تلبّي طموحي الإعلامي، لذلك وجدت متنفّساً آخر عبر برنامج ثقافي يستضيف أسماء من مجالات مختلفة، ويهدف أيضاً إلى دعمها ومساعدتها لأنّها تقدّم الفن الصحيح والحقيقي».
لا تنكر صاحبة ديوان «لا تقطف الوردة» أنّه دون هذا النوع من البرامج في لبنان عقبات كثيرة، أبرزها محدودية عدد فناني الأندرغراوند في البلاد، و«بما أنّ الميزانية لا تسمح باستقدام أسماء من العالم العربي، يتطلّب البحث والإعداد مجهوداً أكبر. أتولّى عملية الإعداد بنفسي». لا تخفي حبيب أنّها تعرف أنّه ستكون هناك نهاية لتجربتها على الراديو، وتبدي أملها في نقل هذا البرنامج إلى التلفزيون، لكنها تعود وتقول: «أعلم أنّ الأمر صعب على المحطات اللبنانية لأنّ الجواب سيكون أنّه لا يستقطب كمّاً كافياً من الإعلانات». وعمّا إذا كان ما تفعله اليوم بين التلفزيون والإذاعة بعدما كانت لها تجارب في الصحافة المكتوبة يرضي طموحها، توضح كريستين حبيب أنّ «عملي يكمّل بعضه. أنا لا أحب الأخبار الدموية والجافة، وأرنو إلى الـ infotainment. أريد تقديم المعلومات المفيدة بطريقة جميلة».
زميلة حبيب في «الجديد» راشيل كرم لا تؤمن بالتراتبية لجهة الانتقال من المكتوب إلى المسموع ثم المرئي. فالشابة التي كانت لها أيضاً تجارب في صحف مثل «الديار» و«النهار» و«السفير» إضافة إلى التسويق والعلاقات العامة، لطالما أحبّت الراديو.

الراديو يعرّي الضيف أكثر مما تفعل الشاشة

تهوى راشيل «التحدي» في العمل الإذاعي المتمثّل بإقناع الجمهور من خلال الصوت والأسلوب فقط، كما أنّ «شخصيّتي تبرز عبره أكثر من التقارير التلفزيونية. وأنا بطبعي أحب أن أجمع بين الكثير من الأعمال في آن معاً». لكن حب مقدّمة برنامج «اقنعني» (الإثنين ــ 17:00 ــ «جرس سكوب») للراديو لا يطغى على الشاشة الصغيرة: «ربمّا لو كان لدي برنامج خاص على التلفزيون لما لجأت إلى الإذاعة، لكنّني اليوم أحصل على مساحة أكبر عبرها وأبزر شخصية مختلفة. أحب نفسي في الحوار كثيراً».
على خلاف كريستين حبيب، لا تعتبر راشيل كرم أنّ المدخول الإضافي كان دافعاً أساسياً لخوض هذه التجربة الجديدة التي لا تبتعد فيها تماماً عن السياسة كما زميلتها، لأنّها تستضيف سياسيين أيضاً إلى جانب فنانين وإعلاميين وأسماء «مثيرة للجدل» وتحاورها «بطريقة عميقة وطبيعية. أحاول فتح آفاق جديدة بالنسبة للجمهور. والمميّز في الراديو هو أنّه يعرّي الضيف أكثر مما تفعل الشاشة، وبرنامجي ينجح في ذلك لأنّه مباشر».
وفي هذا السياق، تقرّ كرم بأنّ عملها كمراسلة يساعدها كثيراً في تحضير الحلقات، خصوصاً لناحية موافقة الضيوف على المقابلة. الاستفادة من شهرة الاسم عبر التلفزيون والخبرة في مجال الإعلام المرئي، مسألتان استفادت منهما أيضاً مذيعة الأخبار في «المؤسسة اللبنانية للإرسال» نيكول حجل التي تقدّم منذ أيلول (سبتمبر) الماضي برنامج «كواليس الأحد» (الأحد ــ 8:30 ــ «صوت لبنان ــ الأشرفية»). «لولا ظهوري عبر الـlbci لما جاءني العرض، كما أنّ عملي فيها يسهّل قبول الضيوف بالمشاركة في برنامجي، من دون أن ننسى أنّ عملي التلفزيوني هو في صميم السياسة والأخبار، الأمر الذي يسهّل عليّ مهمتي الإذاعية المحصورة في محاورة السياسيين». لم يكن العمل الإذاعي ضمن اهتمامات المذيعة الشابة قبل حصولها على عرض من «صوت لبنان»، إنّما بعد مرور أشهر على تجربتها الإذاعية، اكتشفت أنّها تحب الراديو أيضاً. «لا تسأليني أين اللذة في الموضوع، لكن هذا البرنامج يجعلني على تماس أكبر مع الناس وأنا أوصل رسالتي لهم من دون أن يروني. المسألة جميلة جداً»، تقول. وخلال الإجابة عن سؤال حول مشاريعها المستقبلية تقول: «لا يمكن لأي صحافي أن يقول إنّه لا يرغب في أن يكون لديه «توك شو» خاص به على التلفزيون، لكنّني عادةً لا أحب التخطيط. حتى الآن أنا أحب السياسة. لنرَ ما سيحدث لاحقاً».
وكما لم تبتعد نيكول حجل عن مجال عملها، كذلك فعل محمد قيس الذي عرفه المشاهدون منذ سنوات في برامج الألعاب والمنوّعات، بينها @mtv، و«روتانا كافيه»، و«إنت قدّها»، واليوم في «اسألوا مرتي» عبر mtv. الشاب اللبناني يقدّم منذ أشهر معدودة أيضاً برنامج «بعزّ العجقة» عبر إذاعة «أغاني أغاني» (من الإثنين إلى الجمعة ــ من 17:00 حتى 19:00). إلى جانب مساعدة العائدين إلى منازلهم بعد يوم عمل طويل على تحمّل زحمة السير، يؤمن قيس لهؤلاء فرصة كسب جوائز عبر ألعاب وأسئلة خفيفة الظل، إضافة إلى وجود ضيوف للحديث عن أمور حدثية. وفي الوقت الذي ينتشر فيه هذا النوع من البرامج عبر الأثير اللبناني، يرى قيس أنّه نجح في شدّ انتباه المستمعين. محمد قيس الذي يحب خوض تحديات وتجارب جديدة سعيد بتجربته الحالية، غير أنّه يؤكد حبّه للشاشة الصغيرة رغم الصعوبة، ويؤكد أنّه «لا أحد يعرف إذا كنت سأحصل على «توك شو» لكن الأكيد أنّه سيكون بعيداً عن الصحافة الفنية».
لائحة الأسماء التي خاضت غمار الإذاعة بعد التلفزيون ليست قصيرة، فهي على سبيل المثال تضم أيضاً المراسلة في mtv جويس عقيقي، والإعلاميتين نجاة شرف الدين وجيزيل خوري... لا شك في أنّ للأخيرتين حيثية في الإعلام المرئي ولهما حسابات مختلفة عن من هم أقل منهما خبرة. فعلى ما يبدو أنّ الإعلاميين الشباب في لبنان يبحثون عن فرص لإثبات القدرات، وإرضاء الطموح، وتأمين مدخول أفضل.