علمت هدى، صاحبة البصيرة القوية، أن وزارة العدل تحتاج الى كاتب، وأنها تحتاج الى خمسة من المكفوفين من بين الموظفين. تقدّمت بطلب للعمل فقُبل طلبها، لكن الغريب أنها عندما قدّمت طلباً للترشّح في مباراة رفض طلبها، ولما حاولت الاستفسار عن الموضوع قيل لها «في الحقيقة، كنا نريد مكفوفين ثم تبدّل رأينا».
وفي أحد الأيام تقدمت هدى بطلب للعمل في إحدى دور النشر كمدققة لغوية. وافق مدير العمل على طلبها وبدأت بالعمل. وبعد وقت، وبما أن لديها ديواناً للشعر، وافقت على إجراء مقابلة تلفزيونية معها في إحدى القنوات التلفزيونية. ولما أرادت الاعلامية ان تجري المقابلة معها في الدار حيث كانت تعمل قالت لها هدى دعيني أسأل. فوجئت هدى بصاحب الدار يرفض الأمر، فأجريت المقابلة في المنزل.
بعد فترة وجيزة، ذهبت هدى الى مركز عملها كالعادة مصطحبة معها مقابلتها المصورة ليشاهدها صاحب الدار وكانت فخورة بنفسها. انتظر صاحب العمل العتيد أحد عشر شهراً ليصرفها من عملها صرفاً تعسفياً من دون ان يبالي بكدّها وجهدها، علماً انها كانت تعمل من السابعة والنصف صباحاً حتى الخامسة والنصف مساءً براتب لا يتجاوز خمسمئة الف ليرة لبنانية. ثم علمت لاحقاً أن الدار تابعة لتيار سياسي على خصام مع المحطة التلفزيونية التي استضافتها. ولأنها صاحبة حق أخبرت أحد المحامين بما حصل معها، فأرشدها إلى ما يجب عليها القيام به. هكذا رفضت توقيع استقالتها، كما طلب منها المدير أن تفعل، قبل أن تتقاضى تعويضها وتودّع زملاءها فرداً فرداً... فكان لها ما أرادت.
إذا كان من الواجب التعليق على ما حدث فهل هناك ما يقال غير السؤال عن مدى أخلاقية طرد موظف، له وضع خاص، بسبب التجاذبات السياسية التي لا دخل لنا فيها؟

■ ■ ■


ذات يوم علمت زميلتي في الجامعة أن إحدى المؤسسات الاعلامية بحاجة الى موظفين في اختصاص اللغة العربية وآدابها، وحين اخبرتني بذلك سارعت للاتصال بالمؤسسة عبر الهاتف، فقيل لي «إننا بحاجة إلى اشخاص مثل اختصاصك، وعليك الحضور الى المؤسسة مصطحبة معك السيرة الذاتية الخاصة بك». هيّأت كل ما يلزم لهذه الغاية، وذهبت الى هناك، لكن حالما وصلت الى المؤسسة ورآني المسؤول قال لي مرتبكاً: «الحقيقة لا نحتاج الى عاملين ولدينا فائض في ذلك». تعجبت كثيراً ثم قلت له: «إنه لامر عجيب، فمنذ يومين قلت لي بأنكم تحتاجون الى عاملين فما الذي تبدل الآن يا ترى؟». الا انه ظل ساكتاً ولم يجب، فشعرت حينها بالذل والهوان وعدت الى منزلي خائبة.
وفي موقف آخر، أنه في احد الايام لجأت إلى إحدى المؤسسات الاعلامية الخاصة بالاطفال بهدف مقابلة مديرة التحرير بحسب الموعد المتفق عليه. قدّمت لها قصة من تأليفي لتقرأها، وعندما انتهت من قراءتها قالت لي احسنتِ يا ليلى انها قصة جميلة جداً ومعبرة، كما انها تستحق النشر. بعد حين صدر عدد من المجلة ونشرت قصتي على صفحاتها، لكن المفاجأة كانت عظيمة عندما بحثت عن اسمي ولم أجده، ولما حاولت الاستفسار عن الموضوع قيل لي: «إنه خطأ مطبعي وغير مقصود»، علماً ان هذا الخطأ ليس مبرراً ابداً، لكنني لم استطع ان افعل شيئاً، لان القصة طبعت وحصل ما حصل.
وفي إحدى المرات، تقدّمت بطلب للعمل لدى احدى المحطات الاذاعية، وقد طلب مني ان أُعدّ برنامجا منوّعا. فعلت ذلك، وبعد عدة ايام اتصل بي مدير الاذاعة ليخبرني بقبول برنامجي فسررت كثيراً، وبدأت أضع الخطط المستقبلية. مرّ وقت لا بأس به قبل أن أعاود الاتصال بمدير الاذاعة لتكون المفاجأة إبلاغي بأن رنامجي الذي كان قد وافق عليه في السابق مرفوض وذلك لان شخصاً اخر تقدم بأفكار شبيهة بأفكاري. قلت له متعجبة: لكنك كنت موافقاً من قبل، فما الذي حصل الآن. عاد وأجابني بطريقة غير منطقية: في الواقع كنا لا نعرف ماذا نريد. قلت: كان بإمكانك ان تفكر جيداً قبل ان توافق على برنامجي. ختم المدير بالقول: على كل حال سامحينا.
بعد مدة قصيرة علمت بأن الذي أراد توظيفه بدلاً مني كان مبصراً. ومنذ ذلك الوقت كان لهذه المواقف الغريبة وغير المألوفة وسواها اثر سلبيّ على نفسيتي ولا يزال. وهنا أطرح السؤال وأتمنى أن أجد جواباً شافياً عليه: كيف استطيع أن اتعلم ولا أستطيع أن أعمل، فهل من مجيب؟؟؟