يكفي أن تنطق في قارة أميركا الجنوبية، وتحديداً في الأرجنتين، بلفظ «باراس برافاس»، حتى ترتجف ملاعب الكرة عن بكرة أبيها هناك. في خمسينيات القرن الماضي أبصرت هذه الفئة من المشجعين النور في بلاد دييغو أرماندو مارادونا، وامتدت على طول القارة اللاتينية وعرضها، لكن الأرجنتين ظلت المنبع والرمز والمدرسة لكل «بارا برافا» (مفرد باراس برافاس) في القارة.
في الأرجنتين الحديث عن الباراس برافاس يحدث خلف أبواب موصدة، إذ لا أحد – بالحرف الواحد – يجرؤ هناك على قول ما لا يجب أن يقال عن هذه الفئة من الجماهير. قلنا جماهير؟ البارافاس برافاس أكثر من فئة مشجعة لكرة القدم، هي مافيا، عصابة بكل ما للكلمة من معنى. كل الموبقات تجتمع في هذه الفئة التي توغل في المجتمع الأرجنتيني: من العنف - داخل الملاعب وخارجها- بكافة أشكاله جسدياً عبر الاعتداء والضرب، وصولاً إلى القتل، ولفظياً عبر التهديدات وبث الرعب، إلى الخوّات والمخدرات.

إذاً عالم «الباراس برافاس» هو عبارة عن عصابة منظمة، وإن أخذت شكلاً من فئات الجماهير ترتاد الملاعب مثل غيرها، على أنها هنا، في هذه الحالة، تحتل أماكن خاصة بها في المدرجات، وهي التي تدير الملعب وتثير أجواء الصخب فيه تحديداً عبر الطبول والمفرقعات كتلك التي نشاهدها في ملعب «بومبونيرا» الشهير الخاص بنادي بوكا جونيورز. ولكل فريق في الأرجنتين «بارا برافا» يديره رئيس وأفراد ينفّذون أوامره، فنجد مثلاً «لا دوتشي» التابعة لبوكا جونيورز، و«لوس بوراخوس ديل تابلون» التابعة لريفر بلايت، و«لا باخا ديل روخو» التابعة لإنديبندينتي. وحتى إن الفرق في درجات أدنى لها «بارا برافا» لا تقل خطورة عن تلك الموجودة في فرق كبرى في البلاد.
يشتهر «البارا برافا» بأنهم شديدو الانتماء لفرقهم بحيث تأخذهم العصبية إلى الدخول في اشتباكات مع نظرائهم في فرق أخرى خلال المباريات ما ينجم عن ذلك إصابات وضحايا، غير أن ثمة في فريق واحد مجموعتين من «البارا برافا» يحصل أن يدخلا في صراع من أجل أن يطيح أحدهما الآخر.
حضور «البارا برافا» في الملاعب لا يقتصر على التشجيع فقط، بل إنهم يحتكرون بيع المأكولات والمشروبات في الأكشاك داخلها، أما خارجها فإنهم وحدهم من يبيعون بطاقات المباريات في السوق السوداء ويحصلون على بدلات ركن سيارات المشجعين.
هل هذا هو «مصدر رزق» «البارا برافا» فقط؟ بالتأكيد لا، إذ ما تقدم يمكن وصفه بـ«الوجه الجميل» لهذه المجموعات، حيث ثمة مصادر أخرى لا يمكن التصديق أنها موجودة في عالم الكرة، وهي تتأتى من سلطة «البارا برافا» ونفوذها.
البارا برافا عصابة منظمة تتحكم بالملاعب واللاعبين
والاندية
فقد أتاح تنظيم هذه المجموعات واستخدامها العنف كلغة في الملاعب، فضلاً عن العدد الكبير لأفراد كل منها، على أن يكون لها سلطة كبيرة على الفرق، إذ إن «البارا برافا» تحصّل أموالاً (خُوّات) من اللاعبين على شكل دعوات إلى حفلات عشاء وحفلات أخرى تنظمها تحت عنوان تأمين نفقات السفر لمتابعة فرقها، إلا أنها في الحقيقة تستخدمها للاتجار بالمخدرات. أما الأخطر من ذلك، فهي العلاقات التي تربط «البارا برافا» بالأندية ورؤسائها، إذ إن النادي يدفع الأموال لـ«البارا برافا» التابعة له لتحمي فريقه من المجموعات الأخرى خلال المباريات، لكن ما لا يمكن تصديقه أن الأندية تدفع «من تحت الطاولة» لهذه المجموعة لكي تتخلص من أحد اللاعبين لديها إن لم ترد أن تبادر هي إلى ذلك، فتوكل المهمة إلى البارا برافا التي تقصد هذا اللاعب وتهدده حتى يقدم من تلقاء ذاته، خوفاً، على ترك النادي، في حين أن رئيس النادي نفسه ليس بمنأى عن «البارا برافا»، إذ في حال أنه لم يعد يروقها، فإنها تمارس أساليب ضغطها المختلفة حتى يستقيل!
أين دور السياسة من كل هذا المشهد؟ يمكن تلخيصه بما قاله في إحدى المرات الكاتب الأرجنتيني فابيان كاثاس، المشجع لفريق سان لورنزو منذ طفولته: «إذا أردنا، يمكننا بدقيقتين أن نجعل كل هذا يختفي. لكن إن قضينا على الباراس برافاس، فإن أشخاصاً كثيرين في عالم السياسة سيسقطون، وهنا المأزق الحقيقي».
هذه هي كرة القدم في الأرجنتين إذاً. هناك، في تلك البلاد خلف المحيط، صورتان، إحداهما جميلة تتمثل في دييغو مارادونا وليونيل ميسي وما تنجبه الملاعب من سحرة على شاكلتهما، وأخرى بشعة اسمها: باراس برافاس.