في كل واحدٍ منا «ألتراس صغير». هذا الألتراس يطلّ برأسه في مواقف عدة نعيشها في ملاعبنا. وهذا الألتراس هو الذي يكشف عن وجهٍ آخر لنا في لحظة غضب أو امتعاض أو خروج عن المبادئ الرياضية الأساسية.ليس بالضرورة أن نرى أحدهم مرتدياً قميصاً كُتبت عليه كلمة «ألتراس»، أو أن يقف آخر في أحد المدرجات مشاركاً في حمل لافتة عملاقة كُتبت عليها الكلمة نفسها، لكي نقول إن هناك ألتراس حقيقيين في ملاعب كرة القدم اللبنانية.

تلك الكلمة المرادفة للعنف والكراهية والعنصرية والطائفية والتفرقة السياسية واضطهاد الآخر وغيرها من الأمور التي تخرج عن سكة الروح الرياضية وتتناقض معها، تحضر في ملاعب الكرة بأشكالٍ أخرى لا يمكن القول عنها إلا أنها «ألتراس ونص»، لأن البعض ينكر وجودها أصلاً بأي شكلٍ من الأشكال في لبنان، بينما هي أخطر من تلك الظاهرة المنتشرة حول العالم.
هي هنا بيننا، هي ما ترونه في عدة مباريات كروية. تصرفات الألتراس حاضرة في كل اعتداء جسدي أو لفظي على مشجعي فريقٍ آخر وعلى لاعبي الفريق المنافس وعلى الحكام أو القوى الأمنية، تماماً كما حصل في نهاية الأسبوع قبل الماضي.
الألتراس موجودة في الكراهية التي يطلقها مشجعون كثيرون تجاه إداريين لفرقٍ أخرى أو حتى تجاه من يخالفهم الرأي أو يعكس رأياً مختلفاً عمّا يريدونه أو يرونه.
أليست الألتراس موجودة أيضاً هناك في ما يعانيه بعض اللاعبين الأفارقة من عنصرية في الأندية التي ضمتهم إلى صفوفها حيث المعاملة السيئة لهم أحياناً؟ تلك العنصرية التي تجلت في إحدى المباريات في صراخ أحد المشجعين تجاه لاعبٍ أسمر، طالباً منه بعض الفستق السوداني!
الألتراس أيضاً وأيضاً تطلّ من دون خجل في شتم المرجعيات الدينية والسياسية، وفي تغطية إدارات أندية لرفع لافتات تُصنّف جمهورها مذهبياً وترسي التفرقة السياسية عبر ربط أنفسها بخطٍّ معيّن معلنة ولائها للخارج أحياناً بشكلٍ معيب يدفع الجمهور إلى عدم التردد في التلويح برايات أكثر تشدداً من كلمة ألتراس حتى.
الألتراس لا تغيب في عمليات اضطهاد أي شخصٍ لا يعجب تلك الشريحة من المشجعين أو ربما فسّروا كلامه خطأً، فيصبح عرضةً للإهانة بكل الأشكال والألوان.
نعم، نحن نعيش بين ألتراس لم يسجلوا أسماءهم رسمياً في سجلات تلك الظاهرة التي بدأ العالم ينبذها تباعاً، إذ إن تبعات الحرب اللبنانية وما رافقها من انقسام سياسي منذ عشرة أعوام وحتى الآن، فرضت نشأة شوارعية - ميليشياوية لقسمٍ لا يستهان به من المشجعين المتطرفين بشكلٍ غير رياضي لفرقهم، ومن بعض الإداريين الذين يختزنون تطرفاً وأحقاداً يغذي القسم الأول ويجعله أكثر شراسة وتحرراً في الكشف عن نزعاته الألتراسية.
صحيح أنّ في كل واحد منا «ألتراس صغير»، ما يجعلنا كلّنا ألتراس، لكن واقع الكرة اللبنانية المرتبط مباشرة بالحالة الاجتماعية - السياسية التي تعيشها البلاد منذ فترة، لا يحتمل تفريخ كتائب ألتراسية، لأن تفريغ الأحقاد والكبت المستمد من الشوارع الأخرى التي لا تلتقي مع الرياضة، إنما هو تأسيس لفئة ميليشياوية جديدة ستضرّ باللعبة، وربما أدت إلى قتلها.
جميلٌ أن نرى ألتراس متطرّفاً حتى العظم رياضياً، ومستعداً للعودة إلى المنزل فاقداً صوته من كثرة تشجيع فريقه المفضل، وهي مسألة تجعل منا جميعاً ألتراس للعبة التي نعشق، لكن أن تأخذ الأمور ذاك المنحى الذي ظهّر لافتات بشعة في المدرجات ومشاهد تعرّض للآخرين أبشع بكثير، إنما هو أمر مرفوض ويدعو إلى وقفة واحدة تقول: اطردوا الألتراس من كرة القدم اللبنانية.