في السادس عشر من شباط الجاري، تحتفل صيدا بالذكرى الثلاثين لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي. فيضيء كلّ من «التنظيم الشعبي الناصري» و«الحزب الديموقراطي الشعبي» شعلة بالمناسبة، كما جرت العادة منذ سنوات.
في الأنشطة الاحتفالية التي ينظمها «الديموقراطي الشعبي»، سيحضر شخص له اسم كصيداوي وزوج وأب وصاحب مهنة... لكن لا اسم له كقائد للعملية الثلاثية التي استهدفت موقعاً للعدو في ميناء صيدا. سيحضر مدعواً من قبل ثلة من رفاقه المقاومين الذين اكتشفوا هويته لاحقاً. برغم مرور ثلاثة عقود، وبرغم تنازع المقاومة بين أطراف بعضهم لا علاقة لهم فعلياً بنصر التحرير، إلا أنه لا يزال على موقفه. لا يريد له هوية أو صورة أو سجل. ما دام لم يستشهد، فلا يحق له بالضوء. لم يحد عن المقاومة الناصعة من كل انتماء ومذهبية. مقتنع بأنه لم يخترق المستحيل الاستثنائي. عند الاجتياح في عام 1982، كان دون الثامنة عشرة من عمره. شكا لصديقه عن المستقبل الذي ينتظر أطفاله الذين سينجبهم بعد حين، فيما الدبابات الإسرائيلية تزاحم المارة في الطرقات، والطائرات تقصف صبحاً ومساء. توافق الرفيقان على أن يفعلا شيئاً إنقاذاً لمستقبل أولادهما.

اقتنعا بحل المقاومة الوحيد لدحرهم من صيدا. استفسر صاحب الفكرة عن الطريقة. لمعت برأسه عبوات ناسفة. لكن كيف للفتى غير المدرّب عسكرياً أو المنتمي لأي فصيل بتنفيذها. قادته استفساراته إلى الجبهة الشعبية – القيادة العامة في بيروت لأنها حينها كانت الوحيدة التي تملك جهاز تفجير اللاسلكي. تدرّب على استخدامه وعلى تركيب العبوات. مع رفيقه، رسم المخطط واختار 4 آذار عام 1984 للتنفيذ. راقب ميناء الصيادين حيث تتمركز قوة مؤللة في النهار وتنسحب في الليل. تسللا نحو الميناء من ناحية البحر. زرعا العبوات، اثنتان ربطهما بساعة مؤقتة، والثالثة التي زرعها بمركب صيد لعميل كان يركن مركبه بجانب القوة، ربطها بالجهاز اللاسلكي.
صباح ذلك اليوم، سمع عند التاسعة صباحا صوت تفجير العبوتين من بيته في صيدا القديمة. هرع حاملاً الحقيبة التي تخفي الجهاز لتفجير الثالثة. كان قد اختار عمارة المقاصد المرتفعة والمطلة على الميناء لتفجير العبوة الثالثة. لم تلتقطها اشاراته. اعاد المحاولة من مبنى آخر في السوق التجاري. في المحصلة، اعترف العدو بإصابات مؤكدة، فيما الصحافة الإسرائيلية وصفتها بـ«عملية البحر الثلاثية». وزير الدفاع موشيه اريتز تفقد المكان. عجز العدو عن معرفة الفاعلين دفعه الى وصفهم بـ«الضفادع البشرية التي تسللت من عمق البحر». بعد أشهر، اعتقل الضفدع الأول بعملية ثانية. في المعتقل، أصرّ المحقق على الاستفسار عن العملية الثلاثية، فأجابه الأسير: «مش أنا بس إذا بدك سجلها عليي».