لم يفهم نجم كرة القدم التونسية سابقاً ومحلل قناة «أوربت» وقتذاك عبد المجيد الشتالي، سبب وجود أسماءٍ «غريبة» في تشكيلة منتخب لبنان خلال حديثه في الاستوديو التحليلي لمباراة «رجال الأرز» مع منتخب إيران في افتتاح كأس آسيا عام 2000. شرع الرجل منتقداً بخفة ظلّ ذهاب المنتخب اللبناني إلى تجنيس 5 برازيليين دفعة واحدة هم لويس فرنانديز ومارسيليو الفيش دا سيلفا وجيلبرتو دوس سانتوس ونيوتن دي اوليفيرا وجادير مورغنشترن.
اسم الأخير لفت انتباهه أكثر من غيره، فأعطاه مادة إضافية لانتقاد خطوة التجنيس، حيث ذهب إلى تفصيل اسم جادير، متسائلاً عن لبنانيته، وهو البرازيلي الجنسية والألماني الشهرة (مورغنشترن)، التي ترجمها «نجمة الصباح».
عامذاك أيضاً، حكى كثيرون عن ذهاب لبنان بعيداً في خطوةٍ غير مستحبّة ولا تمت إلى الروح الرياضية بصلة، عبر منح الجنسية للاعبين غير لبنانيين بهدف التفوّق على المنتخبات المنافسة بطريقة عُدَّت «غير شرعية». أصواتٌ لبنانية ردّت من دون إثباتات حسيّة، حين قالت إن هؤلاء المجنّسين من أصول لبنانية، على اعتبار أن «بلاد السامبا» تحوي ملايين اللبنانيين...
خرج لبنان من دور المجموعات في كأس آسيا، وانتقده كثيراً أقرانه العرب لقيامه بخطوة فيها غشٌّ على حدّ وصف إحدى صحف المنطقة. لكن ما وُصف بالغش يوماً أصبح «موضة» وحالة عامة لا تنحصر في بلد واحد، بل منتشرة في العديد من البلدان العربية التي شرعت في تجنيس الرياضيين بالجملة في كل الرياضات، لا في كرة القدم فقط، في وقتٍ بات فيه لبنان يستردّ بخجل وبعد ألف حساب جنسية مغترب، رغم أن هذا الأمر حقٌّ مشروع.
الأسوأ أن هذه البلدان تتغنى بإنجازات مجنّسيها، متغاضية عن الضرر الذي تلحقه مباشرةً بأبناء البلاد. وهنا الحديث عن مسألة غير عادلة بالنسبة إلى الكثيرين، وتحديداً أولئك الذين يجهدون للوصول إلى أعلى مستوى بهدف تمثيل الوطن، ويستحقون أن تستثمر الأموال فيهم، لكن مسألة التجنيس تقطع عليهم الطريق، فيأتي السؤال منطقياً من قبل البعض عن فائدة تسخير كل جهوده منذ الصغر أو طوال مواسم عدة في البطولات المحلية لتحقيق حلم ارتداء ألوان المنتخب الوطني، ثم يأتي غريبٌ ليأخذ مكانه من دون سابق إنذار.
فعلاً هي مسألة خطيرة قد تدفع العديد من الشبان العرب إلى عدم الذهاب نحو اعتناق الرياضة إن شعروا بأنهم سيكتفون مستقبلاً بدور المصفّق على مقاعد البدلاء لأغراب بالكاد يحفظون أسماءهم لشدّة تنوّع أصولهم. لا بل إن الوقاحة وصلت بأحد مجنّسي منتخبٍ عربي في تصفيات كأس آسيا للفوتسال عام 2013، لتبرير خسارة المنتخب الذي ينتمي إليه أمام لبنان بمشاركة ما سمّاه «المواطنين» لدقائق معدودة!
قبلها كان مجنّسٌ آخر يبتزّ الاتحاد المعني بالمنتخب المذكور رافضاً الالتحاق بصفوفه إن لم يحصل على المبلغ الذي طلبه، ما يعكس عدم انتماء إلى البلاد التي يحمل جوازها، وهذا الأمر سمة كل المجنّسين الذين يتعاملون مع المنتخبات الوطنية بطريقة تجارية محضة وبشكلٍ أسوأ من اشتراطهم على الأندية، لكونهم يعلمون أن الاتحادات تريدهم أيّاً كانت الكلفة، إذ إن مناصب القيّمين عليها ستكون في خطر في حال عدم تحقيق النتائج المطلوبة.
قد يأتي البعض ليقول إن فرنسا وألمانيا أحرزتا كأس العالم لكرة القدم بلاعبين مجنّسين، وهو قولٌ خاطئ، لأنّ لاعبي المنتخبين وُلدوا ونشأوا في البلدين، لا بل جرى الاستثمار فيهم من قبل الاتحادين هناك، ما يعطيهما حقاً للاستفادة مما صنعاه.
القصة تختلف كليّاً في عالمنا العربي حالياً، لأن الاستيراد والتجنيس بهذه الطريقة يتناقض ومبادىء الروح الرياضية، لإسقاطه تكافؤ الفرص وتأثيره بموازين القوى. لكن لا يهمّ، فهناك أشقاؤنا يحتسون القهوة صباحاً ويستمتعون بعناوين الصحف التي تمجّد إنجازات غير وطنية... أما نحن، فسعداء بما حققناه وبما «صُنع في لبنان».