منذ بداية العام الجاري، دخل قرار وزير الصحة وائل أبو فاعور الذي أعلنه في كانون الأوّل (ديسمبر) 2014 حيّز التنفيذ. قرار يوجب على المستشفيات الخاصة والحكومية المتعاقدة مع وزارة الصحة تغطية (100%) استشفاء الفنانين/ات الحاملين/ات بطاقات انتساب مجدّدة إلى النقابات الفنية الثماني: «نقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون في لبنان»، «نقابة الموسيقيين المحترفين في لبنان»، «نقابة الفنيين السينمائيين في لبنان»، «نقابة شعراء الزجل في لبنان»، «نقابة الفنانين التشكيليين اللبنانيين»، «نقابة محترفي الفنون التخطيطية والرسوم البصرية»، «نقابة الفنانين المحترفين» و«نقابة ممثلي المسرح والسينما في الشمال».
قرار وُصف بـ«التاريخي»، علماً بأنّ قيمة تغطية وزارة الصحة في السابق تبلغ 85 في المئة. اليوم، بعد سريان هذا القرار، كيف ستنعكس إيجابيته على هذه النقابات؟ وماذا عن أوضاع الفنانين/ات اليوم، مقارنة بالأمس، مع صدور قرار مماثل؟ وماذا عن «صندوق التعاضد الموحّد للفنانين» الذي ضمنه قانون تنظيم المهن الفنية عام 2008 ؟ وكيف سيفعَّل عشية إطلاقه من قبل وزارة الثقافة في 28 كانون الثاني (الجاري)؟
وفي ما يتعلّق بأوضاع الفنانين اليوم، مقارنة بمن رحلوا بعد معاناة مع أمراض مستعصية، يؤكد نقيب الممثلين جان قسيس والنقيبة السابقة لـ«نقابة الفنانين المحترفين» وأمينة صندوقها حالياً الفنانة سميرة بارودي (الصورة) في حديثين منفصلين لـ«الأخبار» أنّ هذه الصورة تم تضخيمها من قبل الإعلام. أما الهدف، فهو «تحقيق سبق صحافي على حساب كرامة الفنان» وفق ما يقول قسيس. ويتخذ الأخير من حالة الفنان الراحل كمال الحلو مثالاً، فهو صوّر على أنّه «محتاج»، لكن المسألة لم تكن كذلك: «فالفنان ليس شحاذاً».
أما بارودي التي تضم نقابتها حوالى 1500 منتسب، فترى أنّ كثيرين منهم مرتاحون مادياً ويتمتعون بضمان استشفائي، إما من شركات التأمين أو من وزارة الصحة، وصندوق التعاضد داخل النقابة. وتضيف إنّ ما يُحكى إعلامياً هو «كذبة كبيرة»، مردفةً بالقول: «نحن نعلم خبايا الأمور». هنا، تستشهد بارودي بالفنانة الراحلة أماليا أبي صالح التي لم تكن مشكلتها العوز في الاستشفاء لأنّها كانت تُداوى على حساب ولديها، وانحصرت المشكلة بـ»عدم تأمين مستشفى متعاقد مع وزارة الصحة».
المشهد في هاتين النقابتين لا يشبه ما هي عليه الحال في «نقابة الفنيين السينمائيين» التي تضم حوالى 1480 عضواً من كتّاب السيناريو، ومخرجين، ومساعدي مخرجين، واختصاصيي ماكياج، وكل من له صلة بالعمل التلفزيوني والسينمائي أمام الكاميرا وخلفها. النقيب صبحي سيف الدين تحدّث إلى «الأخبار» عن نقابته التي ظلّت أكثر من 55 عاماً ملحقة بوزارة العمل حتى انتقالها إلى وزارة الثقافة في 2008. وتطرّق سيف الدين أيضاً إلى حالات إنسانية اجتماعية لفنانين أودت بهم إلى الموت، إما انتحاراً كما حصل مع الناقد الفني نصري عكاوي في 2013 على خلفية أوضاعه الاجتماعية الصعبة، أو كما حدث مع المخرج كريستيان غازي الذي يُرجح أنّه كان يعاني حالة فقر شديدة، وغيرهما بسبب عجز النقابة والدولة معاً عن تقديم المساعدة.
حال «نقابة الموسيقيين المحترفين» لا تبدو أقل سوءاً في ظل الإجحاف الحاصل بحق موسيقييها، كما يشرح لنا أمين صندوقها فريد بوسعيد. الإجحاف، يتمثّل بطغيان شهرة المغني على الموسيقي الذي هو بدوره مساهم في صناعة الفنان، أو على الأقل أمضى حياته في هذه المهنة. من هنا، يظهر الشرخ ما بين المهنتين، فيصبح المغني ميسوراً، والموسيقي معوزاً. ولا شك أنّ جزم بوسعيد بأنّ النسبة الأعلى من أعضاء النقابة التي ينتمي إليها يندرجون ضمن الطبقة المحتاجة.
في هذا السياق، يتذكّر أمين الصندوق شاباً موسيقياً قضى بمرض السرطان لأنّه لم يحصل على العلاج، حتّى إنّ كلفة دفنه جُمعت من النقابة نفسها!
قرار وزارة الصحة على أهميته، لا يمكن أن يؤمّن حياةً كريمة لأبناء هذه النقابات الثماني، لأنّه لا يشمل المعاينات الطبية في العيادات الخارجية التي قد يحتاج إليها كثيرون. كما أنّه لا يشمل الأدوية التي يُصار إلى تأمينها عبر مساعدة النقابات نفسها مع وزارة الصحة، وتحديداً في ما يخص الأمراض المستعصية والمزمنة.
يجمع المعنيون على أنّ الحل يكمن في تفعيل صندوق التعاضد الموحّد للفنانين الذي يُفترض أن تعمل على مراقبته وزارة المال لأنّها تجبي الضرائب من الفنانين الأجانب (10%)، و«المديرية العامة للأمن العام» المشرف على حركات الدخول والخروج من لبنان. إذا سار هذا الصندوق على الطريق الصحيح، فسيُغطي الطبابة والتعليم والزفاف والولادة والوفاة، إضافة إلى الراتب التقاعدي. لكن ماذا يحول دون تفعيله؟ الأسباب كثيرة، من ضمنها الالتفاف على القانون بالقول إن التأشيرات سياحية. ولعلّ الطامة الكبرى تكمن في القائمين على المهرجانات التي يختصرها صبحي سيف الدين بـ«المحسوبية التي تحظى بها السيدات المشرفات عليها، وأزواجهن من السياسيين الذين يتولون التغطية والحماية». وفي هذا الإطار، يكشف جان قسيس عن «ورشة عمل» جماعية للنقابات المذكورة بغية الدفع باتجاه تفعيل هذا الصندوق، وتنظيم المهنة لكي نصل إلى وقت «تصنع فيه دراما محترمة في لبنان تليق بتاريخه».