صحيح أن لاعبي الكرة مرفّهون ويعيشون حياة هنيئة ومريحة بحيث ترتسم في المخيلة دائماً، وانطلاقاً من فخامة منازلهم وقصورهم، صورة أنهم يقضون اوقاتهم ممددين على أرائك فارهة فوق عشب أخضر أمام البحر أو بركة السباحة، إلا أن هؤلاء اللاعبين يعانون، في الحقيقة، تعبا كبيرا. في الواقع، وخلف الصورة الجميلة، ثمة مجهود ومعاناة كبيران. المسألة هنا لا تتعلق بالركض المستمر والمجهود البدني على العشب الأخضر أو من خلال التدريبات اليومية، بل بجانب مهم بات من يومياتهم، وهو عالم السفر والرحلات الجوية القصيرة منها والطويلة.

نعم عالم الطيران مرهق ومكلف للاعبين، وسيئاته لا تتوقف فقط على الجانب البدني بل النفسي أيضاً، إذ لهؤلاء حكايات وحكايات مع هذا العالم. هل سأل أحدنا يوماً كم هي عدد الرحلات الجوية التي يقوم بها اللاعبون مع فرقهم ومنتخبات بلادهم أو لارتباطات تسويقية وتجارية أو للعلاج أو للتفاوض مع الأندية، التي تضاف إلى التنقلات الخاصة والسياحية وقضاء العطلة في البلد الأم؟ هل سأل أحدنا كم مسافة الكيلومترات التي يقطعها هؤلاء اللاعبون ذهاباً وإياباً في الجو؟
من المؤكد انه يصعب حصر هذه الأعداد، وفي حال النجاح في ذلك فإننا سنقع حتماً على أرقام مهولة.
لنأخذ مثلاً مسابقة كدوري أبطال أوروبا لكرة القدم فقط، إذ إن عدد الرحلات الجوية لتنقّل فرقٍ من بلدان مختلفة يبلغ على الأقل 120 رحلة جوية (دون احتساب فرق من ذات البلد تتواجه في الأدوار الإقصائية، وحتى فإن تنقل الفريقين المعنيين هنا قد يكون بالطائرة لا بالقطار أو الحافلة إذا كانت المسافة بعيدة، وخصوصاً في البلاد ذات المساحة الجغرافية الشاسعة). من هنا، لا يعود غريباً أن تنعكس هذه الرحلات الجوية سلباً على الحالة البدنية والصحية للاعبين، كأن يصابوا مثلاً بتقلّصات عضلية وإرهاق وتعب، فضلاً عن الإعياء، وهذا ما حصل مثلاً قبل عامين مع لاعبي المنتخب الأرجنتيني، عند وصولهم إلى لاباز عاصمة بوليفيا لخوض مباراة في تصفيات مونديال البرازيل، حيث كان اول من اصيب بهذه الحالة النجم ليونيل ميسي.
لكن الأخطر أن سلبيات التنقلات عبر الطيران لا تقتصر على هذه العوارض، بل إنها تصل أحياناً إلى حدّ إزهاق أرواح اللاعبين وهذا ما حصل مراراً عبر سقوط طائرات كانت تقلّ فرقاً وأشهرها سقوط طائرة عائدة من بلغراد في 6 شباط عام 1958 فوق مدينة ميونيخ الألمانية كان على متنها فريق مانشستر يونايتد الإنكليزي حيث لقي 8 لاعبين من بطل إنكلترا وقتها مصرعهم من بين 21 ضحية، إضافة إلى أمثلة أخرى مثل تحطم طائرة عائدة من البرتغال في 4 أيار عام 1949 في شمال ايطاليا كان على متنها فريق تورينو ما ادى إلى مقتل جميع الركاب. كما قتل 8 لاعبين من منتخب الدنمارك في 16 تموز عام 1960 خلال خطأ في الإقلاع في مطار كاستروب الدنماركي، بينما لم يُعثر على أي ناجٍ في تحطم طائرة في 11 آب عام 1979 كان في عدادها لاعبو فريق طشقند الأوزبكي، ولقي 43 لاعباً في فريق أليانز ليما البيروفي حتفهم بتحطم الطائرة التي كانت تقلهم في 9 كانون الأول عام 1987.
هذه المآسي كادت أن تتكرر في العام الماضي تحديداً مع فريق مانشستر يونايتد في مطار كولن خلال توجهه إلى ألمانيا لمواجهة باير ليفركوزن في دوري أبطال أوروبا، عندما اقتربت الطائرة التي تقلّه من الهبوط، فما كان من قائدها إلا أن تنبّه إلى أن طائرة أخرى لم تقلع بعد من مكانها، فتدارك الموقف في اللحظة الأخيرة، وحافظ على وجوده في الجو. هذه التجربة الأخيرة انعكست وقتها سلباً على نفسية اللاعبين، حيث أكد قائد الفريق السابق ريو فيرديناند أنه أصيب باضطرابٍ شديد، بينما ألغى المدرب السابق ليونايتد، الاسكوتلندي ديفيد مويس، المؤتمر الصحافي الاعتيادي قبل المباراة.
الا ان الانعكاسات النفسية السلبية تتخذ في حالات معينة بعداً أكثر خطورة لدى لاعبي الكرة، يصل إلى حدّ «الفوبيا» من ركوب الطائرة، وهذا ما اشتهر به بالدرجة الأولى النجم الهولندي السابق، دينيس بيرغكامب، الذي كان يخوض فقط المباريات في البلدان القريبة إن مع منتخب بلاده او الفرق التي لعب لها لإمكانية انتقاله إليها بالقطار، حتى إنه قرر اعتزال اللعب الدولي عام 2002 استباقاً للإحراج برفضه خوض كأس العالم في كوريا الجنوبية واليابان، التي تتطلب رحلة جوية طويلة، غير أن بلاده فشلت في التأهل إلى البطولة.
أما اللاعب الفرنسي لويك ريمي فإنه لم يخف ذعره الشديد من ركوب الطائرة، بينما أصيب اللاعب البيروفي باولو غيريرو في إحدى المرات بتمزق في عضلة الفخذ جراء إصابته بالهلع، فيما حذا مواطنه الدولي السابق، راوول غوتييريز، حذو بيرغكامب باعتزاله اللعب الدولي بسبب إصابته بـ «فوبيا» الطيران بعد حادث جوي تعرض له ونجا منه بأعجوبة.
ليس بقليل إذاً حجم التعب والتوتر الذي يصيب لاعبي الكرة من السفر المتكرر بكثرة، والمرهق بدنياً ونفسياً. هذا الجانب الخطير الذي لا يلتفت إليه كثيرون، والذي تحجبه الصورة الجميلة للساحرة المستديرة.




مشاكل واصابات

برغم سلبيات ومخاطر السفر على لاعبي كرة القدم، لا يخلو هذا العالم من مواقف طريفة وغريبة، أبرزها ما حصل مع النجم كريستيانو رونالدو خلال مشاركة البرتغال في كأس أوروبا 2012 في بولونيا وأوكرانيا، حيث كان «الدون» يتناول في احد مقاهي المطار فطيرة حلوى وحده بينما كان طاقم المنتخب يستقل الطائرة للتوجه إلى مدينة بوزنان. وبالفعل فإن الطائرة أقلعت من دون «سي آر 7» الذي اضطر إلى الانتظار ساعات بعدها حتى يستقل طائرة أخرى. من جهته، فإن النجم الإيطالي ماريو بالوتيللي نقل في إحدى المرات مشاغباته إلى المطار، عندما أصر على ركن سيارته في مكان مخصص للمشاة، وما كان منه إلا أن تلاسن مع رجال الأمن. أما الألماني جيروم بواتنغ، فقد لاحقته الإصابة إلى الطائرة، عندما اصطدمت عربة المأكولات والمشروبات التي تقودها المضيفة بساقه!